وقفت أمام المحل، رفعت عيني أقرأ اللافتة التي علقت أعلى بابه، وكتب عليها "محل بيتزا إيطالية"، كانت مصارين بطني تحتج أن أسرع بالدخول، فدخلت وكأني أدخلت. هناك وجدته يجلس خلف ماكينة الحساب، بدا في عقده الثالث، وسيما ببشرته السمراء وشعره المجعد في نعومة، وعينيه البنيتين الضيقتين، وبدوت تائهة في هذا المحل الصغير بسبرنغفيلد، ولا أعرف إن كانت الخدمة فيه "سيلف سيرفيس" أم لا.
وكأنه قرأ حيرتي فبادرني مرحبًا:
-"هولا "
أجبت:
– "هولا".. وصمت.
كان هذا أكثر ما يمكن أن أنطقه بما اعتقدته إسبانية، وانتظرت أن نتحدث الإنجليزية في بلد دستوره" لا يذكر أن لغته الرسمية هي الإنجليزية" وفي ولاية فيرجينيا التي يغلب عليها الناطقون بالإسبانية.
كان فتى الأوروغواي قد كتب داخل العلبة وبالخط الأسود العريض رقم هاتفه واسمه وبجوارهما كتب "أريد أن تكوني حبيبتي هل تسمحين؟" |
-كيف يمكن أن أساعدك؟
قالها بالإنجليزية..
الحمد لله.. قلت لنفسي فأجبته:
– هل تصنعون بيتزا نصف نصف؟
-نصف نصف؟
-نعم
-نعم
– إذن رجاء أريد بيتزا نصف فواكه بحر ونصف سلطة
-سلطة؟
-نعم سلطة.. خس، طماطم، خيار.. سلطة.
ينظر إليّ ويبتسم خجلًا ويقول:
-الست إسبانية؟
– لا
– تبدين كالإسبانيات
ابتسمت بدون أن أعلق فأضاف:
-عفوًا اعذري ضعف إنجليزيتي
ابتسمت له وأجبت:
– لا عليك حتى أنا الإنجليزية ليست لغتي الأم
نظر إليّ متأملًا ثم قال:
– أنت إنسانة لطيفة، أنا هنا مدير المحل، لكني سوف أخدمك بنفسي، تفضلي بالجلوس.. ابتسمت له شاكرة، وأخذت مكاني بين الطاولات الضيقة، وجلست أنتظر بيتزا النصف نصف، لم يدم انتظاري طويلًا، كان الشاب يضع الطبق على طاولتي حين كنت أنظر إلى الطبق وأقاوم ألا أنفجر ضحكًة، فسألني بكل ثقة:
-هل هذا هو طبق بيتزا نصف فواكه بحر ونصف سلطة الذي تحبينه؟
كان الشاب قد قدم لي طبقًا ملأته قطع بيتزا مزينة بفواكه البحر، وفوقه وضع شرائح الخس والطماطم والخيار. حاولت ألا أحرجه بردي وحاولت أيضًا ألا أضلله، فأجبته وأنا أبتسم:
– يبدو طبقًا لذيذًا غير أن السلطة ستكون أجمل لو وضعت في النصف الثاني من الطبق وليس فوق البيتزا.. احمرّ وجه الشاب خجلًا، وقدم لي ما فهمت من إسبانيته أنه اعتذار، وقال لي إنه سيغيره، فأجبته أن لا عليك سوف أتصرف.
ذهب الشاب، وبعد حين وجدته يعود ويضع على الطاولة كأس زجاج به عصير الليمون، ووسطه تغوص قطعة من التفاح الأخضر. بدا العصير لذيذًا، فقلت له:
– شكرًا جزيلًا، هذا عصيري المفضل ولا أدري كيف عرفت بأمره.
ابتسم، ومسح بيده خلف رأسه خجلًا.
مددت يدي إلى حقيبتي أبحث عن بطاقة الدفع وسألته:
– لا أذكر أني طلبت العصير لكنه اختيار موفق كم ثمنه؟
– لا لا إنه هدية لك مني تقديرًا على لطفك..
– اه شكرا لك
تأملت الاسم مطولًا وأنا أستحضر كل "الميندوزات" الذين كانت تأتي بهم المسلسلات المكسيكية على قنواتنا، وكان ميندوزا دومًا شخصًا عاشقًا، لكن المسلسلات تقول إنه قاس، شرير، و…قاتل. |
ذهب الشاب، وتركني أتعارك مع قطع السلطة حتى أصل لفواكه البحر، وأستريح من العراك بارتشاف عصير الحامض والتفاح.. وبعد لحظات عاد ليسألني إن كان كل شيء على ما يرام، فأجبته: نعم، وشكرته، ثم سألني من أي بلد أنا، فأجبته: من المغرب، وبدا تائهًا يحاول أن يعرف أين يوجد هذا البلد، فبددت توهانه بسؤاله: من أي بلد يكون فأخبرني أنه من الأوروغواي.
أنهيت وجبتي، تبادلت أنا والشاب تحية ممتنة، وغادرت المكان، وفي يدي علبة بها ما تبقى من قطع البيتزا. وصلت إلى شقتي، فتحت العلبة حتى أرتب قطع البيتزا في طبق بلاستيكي تسعه الثلاجة، لأنفجر ضحكا، وأقع أرضا من شدة الضحك.. كان فتى الأوروغواي قد كتب داخل العلبة وبالخط الأسود العريض رقم هاتفه واسمه وبجوارهما كتب "أريد أن تكوني حبيبتي هل تسمحين؟"
كنت أمسح عيوني من دموع الضحك، حين قرأت اسمه ثانية، لم أعد أذكر اسمه الشخصي، لكن اسمه العائلي لم أنسه يومًا، كان لقبه "ميندوزا"، تأملت الاسم مطولًا وأنا أستحضر كل "الميندوزات" الذين كانت تأتي بهم المسلسلات المكسيكية على قنواتنا، وكان ميندوزا دومًا شخصًا عاشقًا، لكن المسلسلات تقول إنه قاس، شرير، و…قاتل.
مثلما تنقل سينما هوليود صورة العربي أو المسلم على أنه بربري، غير متحضر، بصباص، مهووس جنسيًّا، متطرف، ويعامل المرأة بعنف، فتتهرب منه بنات الغرب، كذلك كان حالي مع ميندوزا أمريكا اللاتينية، فوسامته، ولطفه، لم يصمدا طويلًا أمام الصورة التي خلقتها في أذهاننا المسلسلات المكسيكية المدبلجة والتي قدمت مرارا شرير المسلسل شخصا يحمل لقب ميندوزا.