شعار قسم مدونات

السوري "المدان" حتى لو ثَبُتت "براءته"

blogs - syrian - police
أصبح السوريون يتوجسون من أي (حدث أو حادث) في أي بقعة من بقاع الأرض، فالإدانة الملازمة لهم أضحت عبئاً يضاف إلى أعبائهم التي لا تنتهي.

لم تعد "إدانة" السوري "البريء" حكراً على قضاء نظام الأسد وأفرعه الأمينة، هذا النظام الذي حَكَم سوريا بالحديد والنار لأكثر من خمسة عقود، صادر خلالها الحريّات واعتقل المئات، وأدان كل محاولة للنهوض بالوطن فكرياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً، صدّر فكرة "الإدانة" للسوريين "الأبرياء" إلى كل أنحاء العالم، فمع بداية الثورة السورية، واستقطابه كل أنواع التطرف والإرهاب، أضحى السوري مهما كانت خلفيته أو انتماءه أو دينه أو طائفته، وفي أي مكان كان من أوروبا مروراً بشرق آسيا وصولاً إلى الأمريكيتين، محط أنظار، ومحل شبه.

ممارسات "الأسد" خلال خمس سنوات ونصف، كانت العامل الأساسي، في تحوّل السوري إلى المشتبه الأول في كل جريمة تحدث في أي بقعة، حتى لو كان "بريئاً".

إذ بدأت معظم الدول خاصة في أوروبا وأمريكا، باتخاذ الاحتياطات من كل سوري موجود على ترابها، لصبح هذا السوري اللاجئ الذي هرب من بطش الأسد ومن معتقلاته، يتعرض لبطش من نوع آخر، وسجيناً في معتقل آخر "ضخم" يسمى "الإنسانية" العالمية التي فقدت كل "إنسانيتها"؟

إذا كنت سورياً! فأنت لا تملك الحق بالذهاب إلى أي دولة في العالم، ولن تستطيع الحصول على أي فيزا إلى أي مكان في العالم، إلا ما ندر، وربما "السودان" واحدة من الدول القلائل التي مازالت تستقبل السوريين الهاربين من بطش طاغية دمشق وجبروته، في حين أن دول أوروبا والدول العربية وأمريكا وآسيا وحتى بعض دول أفريقيا، تعتبرك "مداناً"، ولذلك فأنت غير مرحب بك على أراضيها، وستعمل حكوماتها على إغلاق كافة الطرق التي قد تقودك إليها.

العديد من السوريين "الأبرياء" أصبحوا يشعرون أنه لم يعد لهم مكاناً في هذا العالم، رغم ضخامته، وأن كل من يدعي الإنسانية ويجاهر بها ويتشدق بتنفيذها ويتغنى بميزاتها

هذه الدول وخاصة المتقدمة منها والتي لها ممثلين في الأمم المتحدة، وقامت بالتوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يأتي في مواده وبنوده، الأولى (يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق)، والثالثة (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه)، والخامسة (لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الإحاطة بالكرامة)، وخاصة البند ١٤ والتي تقول (لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد)، والبند ١٩ (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية).

تناست "الدول المتقدمة خاصة" بنود هذه الحقوق وغيرها، واعتبرت أنها "أي بنود شرعة حقوق الإنسان" تعني الإنسان الذي ينتمي إليها فقط، دون هؤلاء الذين يعيشون في مناطق أخرى والذين هم أكثر المحتاجين إليها.
كما مارست اضطهاد إضافي، على السوريين المضطهدين أساساً، من نظام استبدادي شمولي ديكتاتوري، لا يعرف سوى الإجرام والقتل والتدمير والاعتقال والتجويع والتشريد والحصار.

العديد من السوريين "الأبرياء" أصبحوا يشعرون أنه لم يعد لهم مكاناً في هذا العالم، رغم ضخامته، وأن كل من يدعي الإنسانية ويجاهر بها ويتشدق بتنفيذها ويتغنى بميزاتها، ليس أكثر من منافق يعيش في عالم مواز، لا يملك من "الإنسانية" إلا اسمها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.