شعار قسم مدونات

كعكة السلفيين تثير شهية الحزبيين

blogs - salafi
أصبح السلفيون «سوقا» انتخابية رائجة في المغرب، على الأقل منذ مطلع سنة 2015، لكن الإقبال على «التسوق» الإنتخابي من الأوساط السلفية أصبح أكثر انتعاشا في الأشهر القليلة الماضية. ومرة أخرى كان لابد لأمريكا أن تكون حاضرة في الجدل والمزايدة السياسيين بين كبار المتنافسين على اكتساح صناديق الاقتراع.

وككل مرة، لا يمكن للحزبيين المغاربة أن يقدموا على مثل هذه الخطوة دون أن يكونوا قد تلقوا إشارات تفيد برفع الحظر السياسي والمعنوي عن هذا الفصيل الإسلامي الذي يضعه الجميع في دوائر الشك في المقاصد والتشكيك في خيارات الانتماء الديمقراطي.

كثير من السلفيين غادروا السجون لكنهم عادوا إليها مرة أخرى بشبهة الإرهاب، وحتى ما قيل إنها مراجعات بقيت مبادرات فردية ملتبسة إلا في حالات نادرة.

كانت أحداث 16 ماي الإرهابية سنة 2003 نقطة تحول مأساوية في المسار السلفي بالمغرب، اعتقل وأدين عشرات السلفيين بتهمة التورط في أحداث إرهابية، وحكم على شيوخهم بمدد سجنية طويلة بعدما نسب إليهم التنظير للإرهاب والتحريض المعنوي عليه.

ومنذ ذلك الوقت كانوا مثل اللعنة التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، وتحولوا إلى خطر يتسابق الجميع، من اليمين واليسار حتى بعض إخوانهم في الانتماء السياسي الإسلامي، إلى التحذير منه ومن عواقب الاقتراب منه، وحتى حين رفع المعتقلون السلفيون شعار المراجعات الفكرية والعقائدية، لم يأخذهم الحزبيون على محمل الجد، كانوا بالنسبة إليهم مجرد محتالين يمارسون التقية كي يغادروا زنازنهم.

وفي الواقع كان هناك ما يضفي نوعا من الصدقية على هذا التموقف الحاد، كثير من السلفيين غادروا السجون لكنهم عادوا إليها مرة أخرى بشبهة الإرهاب، وحتى ما قيل إنها مراجعات بقيت مبادرات فردية ملتبسة إلا في حالات نادرة، ولم تكن اجتهادا جماعيا شديد الدقة والوضوح، لكن ومع ذلك، ظهر أن هناك اتجاها عاما نحو نبذ العنف ورفض تكفير الدولة والمجتمع.

ثم حدث أن جاءت نقطة التحول؛ منذ منتصف أبريل من سنة 2011 سيصدر الملك محمد السادس عفوه عن شيوخ السلفيين، وفي ظرف وجيز وفترات متقاربة غادر كل من محمد الفيزازي وحسن الكتاني وعبد الوهاب رفيقي وعمر الحدوشي المدانين في ملفات الإرهاب سجون المملكة، وبعدها سيتم السماح لسلفي دعوي آخر بالعودة من العربية السعودية التي «لجأ» إليها بعد الغضبة التي أثارتها فتواه القاضية بجواز تزويج الطفلة ذات التسع سنوات.

وقد قرأت حينها في تعليقات الصحف أن العفو الملكي عن هؤلاء الشيوخ هو هدية من الملك محمد السادس إلى حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي كلف حينها بقيادة الحكومة إثر التطورات السياسية لتدبير زمن «الربيع العربي»، لكن المستفيد الأكبر في تلك الفترة من هذه الهدية سياسيا وإعلاميا، كان حزب النهضة والفضيلة الذي سبق له أن انشق عن العدالة والتنمية، في سنة 2013 سيعلن الحزب عن التحاق مجموعة من السلفيين بصفوفه يتقدمهم كل من عبد الوهاب رفيقي وهشام التمسماني وجلال المودن وحسن العسري ونعيمة ظاهر، وسينال رفيقي عضوية المكتب السياسي ونيابة الأمين العام.

ولم يكن السلفيون كلهم على قلب واحد في الموقف من العمل السياسي، فعكس هؤلاء أعلن الشيخ حسن الكتاني أنه يرفض العمل الحزبي ويريد التفرغ للدعوة، وقد كتب ذلك بوضوح على صفحته في الفيسبوك قائلا «بلادنا أحوج ما تكون إلى التربية والدعوة والإستقامة على الطريقة المثلى، ثم إن ما تأخذه السياسة من دينك أكثر مما تعطيك»

ثم حدث أيضا أن جاء ما يعزز مسار التحول هذا؛ في مارس من سنة 2014 وفي سابقة من نوعها سيؤم الشيخ السلفي محمد الفيزازي، الذي سبق وأدين بثلاثين سنة سجنا، الملك محمد السادس في صلاة الجمعة بمسجد طارق ابن زياد بطنجة، ومنذ هذه اللحظة ستتوالى التحاليل والتعلقيات، وفي المجمل اتفاق على أن الدولة تنفتح على التيار السلفي وهي لا تعارض دمجه في الحياة السياسية في حال ما تراجع عن تشدده السياسي والفكري.

غير أن التقاط هذه الإشارة السياسية سيتخذ هذه المرة طابعا كاريكاتيريا، فمع قرب موعد الانتخابات المحلية والجهوية التي نظمت في شتنبر من سنة 2015 ستعلن مجموعة أخرى من السلفيين التي غادرت السجون التحاقها بالعمل الحزبي واستعدادها للمشاركة في الانتخابات، والمثير أن وجهة هؤلاء، لم تكن حزبا ذي مرجعية إسلامية كما في حالة حزب النهضة والفضيلة، بل التحقوا بحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية الذي أسسه رجل أمن سابق يتهمه معتلقون سياسيون من اليسار بأنه تورط في انتهاكات حقوق الإنسان ويطلقون عليه وصف «الجلاد».

وكما شرح لي ذلك أحد الشيوخ السلفيين الي اعترض على هذه الوجه، قدم لهم رجل الأمن السابق وعودا بالوساطة في العفو عما تبقى من زملاء لهم داخل السجن. وعلى كل حال، لم تكن هذه الخطوة بذاك البريق السياسي الذي شاءه الطرفان، وحتى مردوديته الانتخابية كانت شبه منعدمة.

وبعد أشهر غاب فيها الملف السلفي عن ساحة السجالات السياسية، ستعيده الاستعدادات للانتخابات التشريعية التي ستجري في أكتوبر المقبل إلى الواجهة وبشكل أكثر قوة هذه المرة، بعدما دخل على الخط حزبان سياسيان كبيران في وزنهما الانتخابي، وعريقان في انتمائهما السلفي والإسلامي.

في مدينة مراكش رشح حزب العدالة والتنمية السلفي حماد القباج الذي كان ناشطا في جمعية «الدعوة إلى القرآن والسنة» ضمن قوائمه الانتخابية، وفي هذا يريد الحزب تحقيق هدفين: الأول انتخابي محض وهو تعزيز حظوظه في الفوز بالرتبة الأولى في الانتخابات عبر جلب أصوات السلفيين إلى صناديق باقي مرشحيه، والهدف الثاني هو بعث رسالة إلى السلفيين الذين غادروا السجون ولم يطرقوا أبواب الاندماج فيه، مفادها أنه سيكون حاضنة لإدماج التيار السلفي الذي لم يسبق أن كانت له سوابق جهادية أو عدلية.

وعلى نفس الخط رشح حزب الاستقلال ذي المرجعية السلفية الوطنية الشيخ عبد الوهاب رفيقي في قوائمة الإنتخابية بمدينة فاس بعد أن غادر الشيخ السلفي حزب النهضة والفضيلة، وبدورة يريد حزب الاستقلال تحقيق هدف انتخابي واضح وهو استعادة الأصوات التي انتزعها منه إسلاميو حزب العدالة والتنمية في معقله الانتخابي خلال الانتخابات المحلية والجهوية العام الماضي، وفي نفس الوقت تأكيد هويته السلفية والدخول مع باقي الأحزاب في سباق جني مكاسب وثمار التوجه نحو دمج السلفيين في المشهد السياسي المغربي.

الانتخابات يجب أن تكون تتويجا لمسار من الإنضاج السياسي والتأصيل الفكري لا أن تكون سابق عليه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وحتى الرافضون الغاضبون.

ولم تكن هذه التطورات لتمر دون أن تثير ردود فعل غير راضية، فبعدما سبق لزعيم سياسي يساري أن اتهم هيلاري كلينتون المرشحة عن الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية بدعم فوز حزب العدالة والتنمية بانتخابات سابع أكتوبر المقبل، تداولت صحف مغربية ما مفاده أن الإدارة الأمريكية ترعى مشروع إدماج السلفيين في الحقل الإنتخابي المغربي، وأشارت إلى أن «كايل سبكتور » المسؤول في السفارة الأمريكية يجري اتصالات بأحزاب بعينها، ومنها حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، بهدف إقناعها بدعم ترشيح رموز وأتباع التيار السلفي الجهادي في قوائمها الانتخابية. وبعد توالي هذه الاتهامات للأمريكيين نفى مسؤول في الخارجية الأمريكية بنبرة غاضبة في تصريحه لإحدى الصحف المحلية أن يكون لواشنطن أي تدخل في الشأن الانتخابي المغربي أو أي تعامل خاص وتمييزي لا مع التيار السلفي ولا مع حزب العدالة والتنمية.

وبالنسبة لرأيي الشخصي، فقد بقيت طيلة سنة ونصف أتابع تطورات هذا الملف دون الرغبة في الخوض فيه إلى أن تتوضح الصورة وتظهر معطياتها بوضوح، وقد قلت طيلة سنة ونصف لأنه سبق لي أن كتبت شهر ماي من سنة 2015 عن دراسة أمريكية تحت عنوان "تموج أسفل السطح: اتجاهات في التفكير السياسي السلفي.. ماذا تعني للعلاقات المصرية الأمريكية؟" نشرت على الموقع الإلكتروني لمعهد بروكنجز.

و يرى الباحث الأمريكي «كينت ديفيس باكارد» في هذه الدراسة أن التيار السلفي جزءً أساسيًّ في المعادلة السياسية المصرية، خاصة مع الأزمة الوجودية التي تمر بها جماعة الإخوان، وهو ما دفعه إلى مطالبة واشنطن بالانفتاح على التيار، والخروج من أسر الأفكار النمطية التقليدية عن السلفيين بأنهم الصوت الراديكالي داخل الإسلام السياسي.

كان ذلك يعني بالنسبة لي أنه وبعد تيار الإخوان المسلمين بدأت واشنطن تطرق أبواب السلفيين، لكن ذلك لا يعني لي بتاتا أن لأمريكا تدخلا في الشأن السياسي المغربي هذه الأيام، لأني أعتقد أن إدماج السلفيين في النسيج الحزبي والانتخابي المغربي خيار سيدعم الديمقراطية المغربية ويقويها، مادام أنه سيتيح لها امتلاك الأصوات الأيديولوجية التي تستطيع مواجهة خطاب التطرف والإرهاب من داخله وبمفاهيمه ومرجعيته.

وإن كان لي من تحفظ على هذه العملية، فهو أن الدمج لا يجب أن يكون انتخابيا فقط في محطات ظرفية وعابرة. فالانتخابات يجب أن تكون تتويجا لمسار من الإنضاج السياسي والتأصيل الفكري لا أن تكون سابق عليه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وحتى الرافضون الغاضبون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.