شعار قسم مدونات

قهوة بطعم الأوجاع العربية

blogs - syria

كعادتي و ككل مساء أتوسل خلوة وبعض الهدوء لأقرأ أو لأترك المساحة لقلمي ليجود بإحدى تدويناتي المغمورة، فأعد قهوتي المسائية، قهوتي عربية مرة، وأختار ما تيسر من الكتب لمطالعتها.

و لانني بصدد إنجاز بحث حول الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني، اخترت كتاب "الأخلاقيات و الحرب" ل"ديفيد فيشر"، ودراسة لإحدى منظمات حقوق الإنسان حول الوضع في فلسطين المحتلة تضمنت إحصائيات الخسائر المادية والبشرية للحرب الأخيرة على قطاع غزة (حرب 2014).

تحت مسمى مكافحة الإرهاب وئدت الطفولة في سورياιفكان إيلان الغريق وعمران الجريح وغيرهما كثير. 

اخترت أن أبدأ بالدراسة والإحصائيات الملحقة بها، و قبل مطالعتها و الغرق في حقوق الإنسان والانتهاكات والضمير الإنساني المنعدم تقريبا والضحايا والخسائر، ومع أول رشفة من قهوتي العربية المرة وجدتني أغرق في أفكار أخرى غير بعيدة عما ذكرته، شردت في الوطن العربي الجريح في فلسطين وسوريا ولبنان ومصر والعراق وليبيا وحتى بلدي تونس مهد الثورات العربية جرحه لايختلف كثيرا.

فكرت في فلسطينιبوصلة القضايا و قضيتي الأعدل..أكثر من 60 عاما من المعاناة و الأوجاع لشعب أنهكه الاحتلال و شتتته الانقسامات.. عقوبات جماعية، حصار، مصادرة أراضي، هدم منازل على رؤوس ساكنيهاιاعتقالات و استهداف مقاومين و انتهاكات عديدة اخرى و أوجاع أكثر تخلفها "إسرائيل" ذلك الكيان المستعصي على القانون الدولي، لكنه رغم ذلك لم يستعصي على مقاومة شعب من إرادة.

سوريا، في تكالب الطغاة والغزاة عليها هي امتداد للوجع الفلسطيني ووجه آخر لمعاناة الوطن العربي، ولعله الوجه الأبشع حيث يسعى الكل فيها طغاة وغزاة إلى مصلحته بتعلة مكافحة الإرهاب.. وتحت مسمى مكافحة الإرهاب وئدت الطفولة في سوريا، فكان إيلان الغريق وعمران الجريح و غيرهما كثير ممن لم تدمرهم الأسلحة القاتلة بقدر ما دمرهم الصمت والخذلان العربي.

في مصر، يتغنون بالديمقراطية و هم أول المنقلبين عليها. ولعل رابعة هي التجلي الأبرز لديمقراطيتهم، ديمقراطية السلاح.

تناقضت مشاعري بين الألم و الأمل ألم الاكتفاء بدورالمتفرج شأني شأن كل العرب فقط نجيد البكاء واصطفافنا لا يكون إلا في العزاء

في لبنان والعراق أتقنت الطائفية دور الحطب، فالحروب الأهلية و الطائفية والمذهبية أسقطت بغداد الحضارة وجعلت من أرض الأرز الصغيرة كبيرة بجراحها.

وفي بلدي تونس، سرقت الثورة  سرقت معها كل الأحلام بتونس أفضل، تونس المواطنة و العدالة الاجتماعية والكرامة والتنمية… فصرنا في وطن اختلف فيه الكل مع الكل على كل شيء إلا على مدى رخصنا كمواطنين.

طال شرودي في أوطان جريحة أنهكتها الانقسامات  ودمرها الطغاة بقدر ما دمرها الغزاة، وتناقضت مشاعري بين الألم و الأمل  ألم الاكتفاء بدورالمتفرج شأني شأن كل العرب فقط نجيد البكاء واصطفافنا لا يكون إلا في العزاء، وأمل بأن الغد أفضل وأن الصبح قريب مادام في أوطاني أحرار قادرون على زعزعة عروش الطغاة والغزاة لو أدركوا أو بالأحرى لو أرادوا.

متأرجحة بين ألم و أمل واصلت احتساء قهوتي مع أوجاع عربية أمر منها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.