شعار قسم مدونات

لأجل هذا لستُ ديمقراطيا

blogs - demo

أينما وجهت وجهك، أو ألقيت سمعك خلال السنوات الأخيرة تجد من يدافع عن الديمقراطية كنظام الحكم الأمثل على الإطلاق. إنه نظام حكم يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه. نظام حكم يؤمن بحرية التعبير والاختيار. يؤمن بكرامة الإنسان، وأن الإنسان أهم ثروة تملكها الأمم.


والديمقراطية تعني أن نؤمن بالاختلاف وأن نتقبل الآخر كما هو، دون محاولة منا للتأثير أوالضغط عليه. من منا لن يؤمن بنظام كهذا؟ بل ولن يدافع عنه؟ سأدافع عن هذا النظام بكل ما أوتيت من قوة وعزم، لكن يجب أن يوجد على أرض الواقع.
 

الديمقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه. لكن كل ما يقوم به الشعب في النظام الديمقراطي المعمول به هوأن يدلي بصوته مرة كل بضع سنوات

الديمقراطية التي قمت بوصفها في الفقرة السابقة لا تتعدى أن تكون حبرا على ورق. مجرد نظرية تتسم بمثالية يكاد تحقيقها يكون مستحيلا على أرض الواقع. أوكحب أفلاطوني يلازم صفحات رواية رومنسية ولا يتجسد في واقعنا. إذا كانت الديموقراطية المذكورة أعلاه لا تتعدى كونها نظرية حالمة تغرق في المثالية، فماذا يمكن أن نطلق على أنظمة الحكم التي تتبناها مختلف الدول في زمننا هذا؟ بكل بساطة، الجواب هوأنها أنظمة "ديموقراطية". 

حين نتحدث عن الديمقراطية علينا أن نفرق بين النظرية وما هوموجود على أرض الواقع. الديمقراطية، كنظام حكم معمول به في عدة دول، بعيدة كل البعد عن النظرية. فالديمقراطية المطبقة تعني أن يصوت المرء على إنسان أعجبه وجذبه خطاب كتبه إنسان آخر. والديموقراطية تعني أن من له القدرة على تشويه صورة خصومه بشكل أنجع وأكثر فاعلية يملك حظوظا أكثر في كسب السباق نحوالسدة.

 

ففي هذا النظام، لا تهم مؤهلات المرشحين بالقدر الذي تهم قدرتهم على التأثير من خلال مخاطبة المشاعر ودغدغتها. وفي كثير من الأحيان، قد لا يبالي الكثيرون بالبرنامج الانتخابي للمرشح بالقدر الذي يهتمون بانتمائه الحزبي. فلوكان المرشح من حزب يفضله الناس سيكسب أصواتهم حتى دون أن يكون برنامجه مقنعا، وفي كثير من الأحيان لا يهتم المصوتون بالبرامج الانتخابية إطلاقا.

الآلية التي يتحقق من خلالها النظام الديمقراطي (الواقع)، الانتخابات، في حد ذاتها تتعارض مع مبادئ الديمقراطية (النظرية). فالنظرية تنص على أن الديمقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه. لكن كل ما يقوم به الشعب في النظام الديمقراطي المعمول به هوأن يدلي بصوته مرة كل بضع سنوات، وبمجرد نهاية الانتخابات، يصل المنتصر للسدة ليحكم، في حين يعود الشعب لكونه محكوما لا يلقى له سمع ولا يبالى به إلى أجل مسمى، ألا وهوحلول عرس انتخابي آخر. حتى الأصوات التي يدلي بها الشعب يتم فرزها داخل لجان مغلقة لا يُعلم ماذا يدور داخلها.

 

الديمقراطية أمر جيد ما دامت النتائج المحققة هي النتائج المرجوة.. وخير دليل على ذلك ما حدث وما زال يحدث في مصر

بالتالي لا يمكن الجزم أوالإيقان أن إرادة الشعب هي التي تحدد الفائز من الخاسر. في نظام كهذا، يسهل التلاعب. قد يقول قائل أن في كلامي شيئا من الإيمان بما يطلق عليه "نظرية المؤامرة" وأني لا يمكن أن أثبت أن التلاعبات تحدث فعلا. جوابي هوأنني حقا لا أستطيع أن أثبت أنها تحدث، لكنني أيضا أعلم أن أحدا لا يمكنه أن يثبت أنها لا تحدث.

هنالك عوامل أخرى كثيرة تجعلني أنفر من "الديمقراطية" ولا أتقبلها كنظام حكم جيد. ولعل ما يحدث حاليا في "أعظم ديمقراطية" على وجه الأرض أكبر دليل على عقم هذا النظام. فالشعب الأمريكي حاليا يواجه أحد خيارين لا ثالث لهما "دونالد ترامب" أو"هيلاري كلينتون". في حديثي مع أمريكية في هذا الموضوع عبرت عن خوفها الشديد مما ستؤول له الأمور مهما كانت النتائج. فهي واحدة ممن يرون أن كلا المرشحين غير مؤهل للمنصب.

 

وبالتالي فإن الشعب كمن وضع بين المطرقة والسندان. طبقا لرأي هذه الأمريكية، يمكن أن نرى أن الشعب لا يملك فعلا حرية اختيار من يمثله، وأن فكرة حكم الشعب نفسه بنفسه لا تتجاوز أن تكون عبارة يستعملها السياسيون لتخدير الشعب وتنويمه مغناطيسيا.

"الديمقراطية أمر جيد ما دامت النتائج المحققة هي النتائج المرجوة" وخير دليل على ذلك ما حدث وما زال يحدث في مصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.