شعار قسم مدونات

الجزائر.. الصعود نحو الهاوية

الجزائر

أين الرئيس؟ سؤال يحير الجزائريين، هل صار البلد حقا من دون رئيس؟ وما هذه الصورة البائسة التي صارت تختزل وضع الجزائر بعد 54 سنة من الاستقلال؟

 

ظهور الرئيس بوتفليقة أصبح مقتصرا على استقبال الوفود الأجنبية ورؤساء بعض الدول ممن يزورون الجزائر، ويتم ذلك في مقر إقامته الخاصة غالبا، فتظهره القناة الرسمية في تسجيل يكاد لا يتجاوز بعض الثواني، فيما يتواصل مع الشعب برسائل تنسب إليه، تتلوها على مسامع الجزائريين مقدّمة نشرة الأخبار الرئيسية على نفس القناة.

 

بعد عامين من انتخابه لعهدة رابعة يطرح الجزائريون اليوم أسئلة عديدة عن مستقبل البلد في ظل العجز الفاضح للرئيس، بل يصل الجزائريون إلى حدّ التساؤل عن من يحكم حقيقة في الجزائر، والى أين يسير قطار البلد وسط كل هذا الغموض.

 

يوجد اليوم في الجزائر نظام واحد متحد بكل أطيافه، ولو ظهرت عليه بعض الصراعات، وفي مقابله معارضة منقسمة مشتتة

الوضع الذي آلت إليه الجزائر لم يكن وليد اليوم، بل كان نتاج تراكمات عديدة، وفشل حكومي ذريع على مختلف الأصعدة، وغياب تام لأي سياسة استشرافية رغم تعاقب الحكومات كل ذلك الفشل لم يطف إلى السطح من قبل بسبب البحبوحة المالية التي كانت عليها البلاد، مما جعل الحكومة تنفق بإسراف من أجل شراء السّلم الاجتماعي.

 

فكان كل عملها منحصرا في توزيع الريع البترولي هنا وهناك في ظلّ غياب أي رقيب، فلم يستيقظ الرأي العام على حجم الكارثة إلاّ بعد دخول البلد في ضائقة مالية جرّاء انهيار أسعار البترول، وإعلان الحكومة عن حزمة من القرارات التي تركزت أساسا على مبدأ التقشّف وترشيد النفقات، مما جعل الجميع يتساءل أين ذهبت تلك الأموال التي حصّلتها الدولة أثناء فترة الرخاء المادي؟ وأين تمّ إنفاقها؟

 

وقد قدّر إجمالي الإنفاق في عهد الرئيس الحالي أزيد من 800 مليار دولار حسب عدّة خبراء، مبلغ كان بالإمكان أن يجعل الجزائر تنافس اليوم على عدة جبهات سواء في الاقتصاد أو الزراعة أو في تنظيم وتطوير القطاع السياحي الذي بدأت الدّولة تفكر فيه بعد أن" خلت الدّيار من ساكنيها".\

 

على الصعيد السياسي، يزداد الأمر تعفنا مع مرور الأيام، فالشّعب الجزائري صنع نموذجا فريدا من نوعه، فيمكن اعتباره ربّما الشّعب الوحيد في العالم الذي فقد ثقته في النّظام وفي المعارضة في آن واحد، فالنّظام خلال السنوات القليلة الماضية مارس بامتياز هوايته المتمثلة في تعديل الدّساتير وتكييف القوانين حسب حاجته، في ظل غياب فعلي لمعارضة قوية، وتبعية كاملة لأعضاء البرلمان لأحزاب الموالاة.

 

 ولم يكن النّظام ليمرر تلك القوانين لولا التفرق والشّتات الذي ميّز أحزاب المعارضة، التي حاولت مؤخّرا التحالف في شكل تنسيقيات، لكن ذلك لم ينجح أمام الفروقات الكبيرة في الرؤى وإيديولوجية كل قطب.

 

يوجد اليوم في الجزائر نظام واحد متحد بكل أطيافه، ولو ظهرت عليه بعض الصراعات، وفي مقابله معارضة منقسمة مشتتة، الوضع في البلد قابل للانفجار في أي لحظة، وكل العارفين بخبايا منظومة الحكم في الجزائر يرون أن المناخ الحالي لا يختلف مطلقا عمّا كان عليه الحال قبل انتفاضة أكتوبر 1988.

 

 وممازاد الطين بلة، هو ما تقوم به السّلطة مؤخرا من خلال قمعها لعديد الأصوات الحرة، ومحاولة إجبار المعارضين على الصّمت، وتضييق كبير في حرّية التعبير التي كان تحريرها من ابرز وعود من قاموا بالحملة الانتخابية نيابة عن الرّئيس المريض.

 

قبل سنوات، تجاوزت الجزائر مدّ ثورات الربيع العربي بسلام، وتمكنت السّلطة من تسيير تلك الفترة الحساسة بذكاء، مما جعل الموالين للنظام الحالي ينسبون للرّئيس بوتفليقة حالة الاستقرار وسط حراك عنيف مسّ عدة دول في المنطقة.

 

المشكلة ليست في أن يجتاز بلد ما فترة صعبة، بل في عدم محاولة المسؤولين فيه التحرك بما يمكّنه القضاء على تلك الأزمة

منذ ذاك الحين لم تقم السّلطة بأي إصلاحات سياسية حقيقية وعميقة من شأنها تحقيق الديمقراطية ومطالب الحريات والشغل والسكن، بل كان كل ما أطلقته مجموعة وعود صار تحقيقها مستحيلا نظرا للظّروف الحالية، بل أكثر من ذلك دخل البلد في أزمة نظام عميق، بل أسماها البعض ب"أزمة اللّانظام"، فالجزائر اليوم تسير بدون رئيس فعلي.

 

 وتنعقد مجالس الوزراء في فترات متقطعة، وتوقفت الكثير من المشاريع الاقتصادية، بل وصل الأمر إلى حد تصريح وزير الداخلية بأن الدّولة قد لا تستطيع دفع أجور موظّفيها في حال استمرار الخانقة المالية، وستضطّر الدولة للاستدانة الخارجية وطلب القروض السّندية من هيئات وشركات جزائرية وأجنبية.

 

هكذا تسبب الفشل في التسيير إلى إرجاع البلد لنقطة البداية، مما جعل أحد المدّونين يكتب ساخرا "بوتفليقة سيحفظ الأمانة، فهو سيعيد البلاد كما وجدها عام 1999 غارقة في الوحل والدّيون".

 

المشكلة ليست في أن يجتاز بلد ما فترة صعبة، بل في عدم محاولة المسؤولين فيه التحرك بما يمكّنه القضاء على تلك الأزمة، وتوفير بدائل آنية من أجل تسيير الوضع ومحاولة إيجاد موارد أخرى، والاستثمار في مجالات جديدة قد تدّر المال على الخزينة العمومية.

 

المسؤولون الجزائريون اليوم أشبه بالفرقة الموسيقية في مسلسل "التيتانيك" يغنّون حتى يكتمل مشهد الغرق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.