شعار قسم مدونات

غزة والانقلاب في تركيا

غزة
ليلة طويلة قضاها الغزيون في متابعة الأحداث التي تتحدث عن انقلاب كامل الأركان في واحدة من الدول الأكثر دعما للقضية الفلسطينية في العقد الأخير من الزمن، ليلة مرعبة جاءت متزامنة مع الذكرى الثانية للحرب التي شنها الاحتلال "الإسرائيلي" عام 2014 والتي ما زالت غزة تعاني من آثارها حتى هذه اللحظة.
 
ذهول أصاب المدينة وسكانها الذين لم يكتفوا بمتابعة الأخبار بل دخلوا في تخوفات ونقاشات وتحليلات تتحدث عن تأثير الانقلاب عليهم وعلى القضية حال نجاحه أو فشله.

المستجدات على الساحة التركية جعلت الغزيين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من تغير في السياسات التركية.

سقط الانقلاب في تركيا، فجاءت ردة فعل الغزيين في معظمها سعيدة، وخرجت مسيرات مؤيدة للنظام التركي والرئيس أردوغان في عدة محافظات بقطاع غزة، وتتابعت التصريحات الداعمة لتركيا والمنددة بمحاولة الانقلاب الفاشلة.

هذه الأحداث طرحت تساؤلات عما يريده الشعب الفلسطيني -خاصة الغزيين- من تركيا؟ ولماذا تركيا على وجه التحديد؟ وهل يمكن لتركيا أن تقوم بالدور المأمول؟ ولماذا اهتم الشارع "الإسرائيلي" بالأحداث في تركيا بشكل ملحوظ؟

إن تركيا الحديثة قادرة بكل تأكيد على مناصرة القضية الفلسطينية وهو ما تقوم به، غير أن المستجدات على الساحة التركية جعلت الغزيين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من تغير في السياسات التركية، خاصة مع دخول تركيا مرحلة جديدة من المواجهة مع عدة أطراف إقليمية ودولية، ومع وجود تحالف قوي يرغب سرا وعلانية بإيقاف عجلة النهضة التركية وإضعاف مناصرتها لقضايا الأمة، خاصة الشعب الفلسطيني. 

الغزيون المحاصرون منذ عشرة أعوام والذين تعاقبت عليهم الحروب والذين فقدوا معظم مؤيديهم خلال السنوات السابقة ما زالوا ينتظرون من تركيا خطوات عملية في فك الحصار وإعادة إعمار القطاع ودعما أكبر من الناحية السياسية.

ورغم التحفظات على الاتفاق التركي "الإسرائيلي" فإن هناك تفهما لدى شرائح كبيرة من الغزيين أملا في تحقيق مكتسبات سياسية واقتصادية تقلل من معاناة سكان القطاع، وتساهم بشكل أو بآخر في دعم القضايا الأساسية، كالأسرى والأقصى ودعم التعليم والصحة والشباب وحل مشكلة الكهرباء، ولا يمكن أن ننسى الدور المنوط بتركيا فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية التي يمكن توطيدها لصالح الفلسطينيين، خاصة أولئك الحاملين لمبدأ المقاومة.

التجربة التركية ملهمة وطموحة ولكن المرحلة القادمة ضبابية وتحمل الكثير من المفاجآت لغزة

هذه الآمال المصحوبة بتخوفات كبيرة لم تكن عند الفلسطينيين فحسب، فالاحتلال "الإسرائيلي" يدرك تماما أهمية تركيا في اللعبة السياسية ويعلم أن الاتفاق المبرم مؤخرا لا يعدو كونه مناورة أردوغانية -وإن تعدى أكثر من ذلك- فهو اتفاق هش آيل للسقوط مع أول تهور "إسرائيلي" أو فرصة تركية، لذلك كان الانقلاب بمثابة حلم جميل يمكن أن يصب في مصلحة الاحتلال بشكل كبير لو أنه نجح، وذلك ما عبر عنه بن كاسبيت المعلق في صحيفة معارف "الإسرائيلية" بقوله "إن إسرائيل كلها حبست أنفاسها وتمنت نجاح المحاولة الانقلابية".

الكل كان يتمنى أن يصحو يوما وقد وجد أردوغان حبيس إحدى الزنازين، لقد عمت الصلوات كل أرجاء إسرائيل أن ينجح الانقلاب، فلا أحد يوهم نفسه بشأن مستقبل العلاقة مع تركيا طالما ظل أردوغان، أما وقد فشل الانقلاب فالتخوفات "الإسرائيلية" كبيرة، خاصة أن الكثير من الحسابات ستتغير في الساحة الداخلية التركية، مما سيؤثر بشكل كبير على العلاقات الخارجية.

التجربة التركية ملهمة وطموحة ولكن المرحلة القادمة ضبابية وتحمل الكثير من المفاجآت لغزة، فلا يجب علينا أن ننتظر المستقبل ونرى العالم يتحكم بمصيرنا، بل يجب أن نتخذ خطوات تنهي الانقسام وتوحد جهودنا الفلسطينية، وأن نبدأ بالاعتماد على أنفسنا بشكل أساسي مع الحفاظ على أكبر قدر من الداعمين والمناصرين لقضيتنا.
 
علمتنا التجارب والتجربة التركية مؤخرا أن المناصرين في السياسة لا يدومون، وأن الانتصارات تتحقق فقط وفق خطط واضحة وإستراتيجيات محددة مبنية على الواقع ومستندة إلى عوامل القوة الداخلية ومدعومة من الحلفاء الخارجيين.
إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان