جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان كانا حليفين طوال الأيام الأولى لثورة 23 يوليو 1952، وتوجد صورة شهيرة لعبد الناصر في عام 1953 وهو يذرف الدموع على قبر حسن البنا وإلى جواره عبد القادر عودة، لكن هذه العلاقة ساءت بين عبد الناصر والضباط من جهة وجماعة الإخوان من جهة أخرى عندما أراد الإخوان من الجيش العودة إلى ثكناته وتسليم السلطة إلى المدنيين.
وتطور النزاع بين الطرفين حتى ضغط العسكريون -ومنهم عبد الناصر- على زعيمهم اللواء محمد نجيب ليصدر قرارا في يناير/كانون الثاني 1954 بحل جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها حزبا من الأحزاب السياسية.
عبد الناصر وجد حادثة المنشية فرصة تاريخية لتصفية وجود الإخوان المسلمين في مؤسسات الدولة المصرية |
ورغم رضوخ نجيب لهذا القرار من الجيش فإنه وجد نفسه في أمس الحاجة للتحالف مع الأحزاب السياسية ففتح خطا مع حزب الوفد وآخر مع الإخوان من أجل تثبيت نفسه أمام القوة المتزايدة للبكباشي جمال عبد الناصر فتحالف معهم من أجل عودة الحياة البرلمانية ليكون هناك برلمان يسحب الصلاحيات من مجلس قيادة الثورة الذي قال فيه الشعب إن الشعب تخلص من ملك وحل مكانه 13 ملكا.
وكانت أزمة مارس/آذار 1954 عندما خرجت مظاهرات مدفوعة الأجر تهتف بسقوط الديمقراطية والحرية وتدعم عبد الناصر، وهي المظاهرات التي أيدها الإخوان ضمنيا لأنهم لم يكونوا يريدون حزب الوفد شريكا لهم في السلطة.
وتخلص عبد الناصر من محمد نجيب ومن حزب الوفد، وظن الإخوان أن الجو صار خاليا لهم ليتقاسموا السلطة مع العسكر حتى كانت حادثة المنشية، حيث إن جمال عبد الناصر تعرض لمحاولة اغتيال في 1954 نجا منها، ثم شن مباشرة حملة اعتقالات كبرى في صفوف جماعة الإخوان المسلمين.
وانقسم الناس إزاء هذه الحادثة ثلاثة أقسام:
القسم الأول قال إن الإخوان خططوا لهذه العملية وأرادوا اغتيال عبد الناصر.
القسم الثاني قال إن أفرادا من داخل جماعة الإخوان رفضوا قرار حل الجماعة وقرروا في اجتماع سري تصفية عبد الناصر.
القسم الثالث قال إن عملية الاغتيال تمثيلية مفبركة قام بها عبد الناصر وتم تعذيب الشخص المتهم بالاغتيال حتى الموت حتى يخرج اعترافات تدين الإخوان.
قبل حادثة المنشية كانت العلاقة سيئة بين الإخوان وعبد الناصر، لكنها لم تصل إلى القطيعة التامة ولم يستخدم عبد الناصر القوة القاهرة في فرم الجماعة وأنصارها، ولكن بعد حادثة المنشية تغير كل شيء واستطاع عبد الناصر السيطرة على المجال السياسي في مصر حتى عام 1970 تاريخ وفاته.
الانقلاب جاء بمثابة هدية من السماء لأردوغان ليكتسب شرعية لضرب جماعة الخدمة |
للتاريخ، أنا من المقتنعين بأن حادثة المنشية هي عملية اغتيال حقيقية تعرض لها جمال عبد الناصر تورط فيها أفراد من جماعة الإخوان بدعم إقليمي ودولي كان في ذلك الوقت معاديا لعبد الناصر والناصرية، ولكن قرار الاغتيال لم يكن قرار التنظيم ولا المرشد ولا حتى أعضاء مكتب الإرشاد، ولكن عبد الناصر وجد حادثة المنشية فرصة تاريخية لتصفية وجود الإخوان المسلمين في مؤسسات الدولة المصرية ولتصفية وجود الجماعة في الحياة السياسية بعد أن اتهمها بأنها سبب كل المصائب التي تتعرض لها مصر.
وقد نتج عن هذه الحملة تصفية منتظمة للمتدينين من جسد الدولة المصرية بحجة الخوف من انتمائهم لجماعة الإخوان، وقد حاول عبد الناصر تدارك هذا الأمر بعمليات مثل طباعة القرآن الكريم وإنشاء إذاعة له وتوسعة الأزهر وإصلاحه والإشراف على إرسال بعثات أزهرية إلى أفريقيا والعالم.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل إلى السلطة بانتخاب ديمقراطي من الشعب التركي، لكنه في الفترتين الأولى والثانية من حكمه كان أضعف من المؤسسة العسكرية والأمنية ومن الأحزاب العلمانية التركية، ومع ذلك استطاع أن يراكم القوة في يده عبر التحالف مع جماعة فتح الله غولن الدينية التي استطاعت عبر أذرعها في المؤسسة الأمنية والقضائية إفشال أكثر من مخطط لإسقاط أردوغان وحكومته.
أشهر محاولة للانقلاب كانت عندما حركت المحكمة الدستورية العليا التركية في 2007/2008 دعوى قضائية تطالب بحظر النشاط السياسي لـ71 قياديا من حزب العدالة والتنمية وحل الحزب باعتباره يهدد العلمانية الأتاتوركية، ولولا اختراق جماعة الخدمة لنجحت المحكمة الدستورية في مخططها، فبفارق صوت واحد أجهض المخطط وتم تنظيف القضاء تماما من جماعة أرغينكون، ولم ينفع حزب العدالة والتنمية عندما جد الجد إلا القضاة الموالون للشيخ فتح الله غولن.
في عام 2013 انفجرت الحرب بين الحلفاء الرئيس التركي أردوغان وجماعة الخدمة، وكانت بداية الخلاف هي صراع على المشاريع التي تقوم بها الحكومة التركية، حيث اتهم أعضاء جماعة الحكومة بالفساد وأنهم يقومون بإرساء عطاءات المشاريع لشركات مقربة من حزب العدالة والتنمية ونجل الرئيس التركي بلال أردوغان.
وقام مناصرو جماعة الخدمة بخطوتين في غاية الغباء، هما تحريك مناصريهم في القضاء ضد وزراء في حكومة أردوغان وتحريك مناصريهم في الشرطة والأمن ضد رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان متهمين إياه بأنه داعم للإرهاب، وليقوموا بإثبات هذه التهم قاموا بخطيئة كبرى هي بث تسريبات متلاحقة لجلسات الحكومة التركية كان أخطرها مطلقا بثهم تسريبا للقاء يجمع الرئيس أردوغان مع مجلس الأمن القومي التركي، وكان النقاش حينها يدور عن الأزمة السورية.
ما يفعله أردوغان جيد في المدى القريب، لكنه في غاية السوء على المدى البعيد |
بعد هذا التسريب تحول أردوغان من حالة الدفاع إلى الهجوم متهما معارضيه من جماعة الخدمة بأنهم ينشؤون دولة داخل الدولة وكيانا موازيا بهدف اختطاف الدولة التركية لصالح التنظيم، فشن حملة تطهير كبرى في مؤسسات الدولة التركية من أجل اجتثاث أتباع غولن الذين سماهم الكيان الموازي للدولة.
نتيجة للضغط الشديد من أردوغان على جماعة فتح الله غولن حصل الانقلاب في الـ15 من يوليو/تموز 2016 الذي جاء بمثابة هدية من السماء لأردوغان ليكتسب شرعية لضرب جماعة الخدمة وزيادة حملة التطهير التي يقوم بها ضدها، وكذلك لتطهير مؤسسات الدولة التركية من أي صوت للمعارضين.
ما يفعله أردوغان جيد في المدى القريب، لكنه في غاية السوء على المدى البعيد لأنه يقوم بتطهير جهاز الدولة من العناصر المتدينة ويعيد تسليم الدولة للعناصر العلمانية، وإن السبب الحقيقي في تردد الأحزاب التركية العلمانية في تأييد الانقلاب العسكري لا يعود لإيمانها بالديمقراطية، فكيف يؤمن بالديمقراطية من كان رمزه الفكري أتاتورك وعبد الله أوجلان، وهما مشهوران باستخدام العنف مع معارضيهما.
إنما السبب الحقيقي في موقفهم المتردد من قبول الانقلاب ثم الرافض له هو علمهم بأن الانقلاب ليس لهم بل إنه انقلاب تقوده جماعة دينية، وكذلك الحال موقف الجيش التركي الذي انحاز للرئيس أردوغان هو بسبب علمه أن الانقلاب ليس انقلابا عاديا يقوده ضابط عسكري طموح بل هو انقلاب جماعة إسلامية ضد رئيس إسلامي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.