فيقفن بنطاق أسماء وفي روح كل واحدة منهن أبي بكر الذي طالما أُعدِم بالقذع الوقاح، يشققن ذلكم النطاق ويهرعن بالحلوى، وبالماء، وببعض النقود، إلى مواطن النشيد المقدس، علهن يبهجن أفئدة أنبياء الجبهات، ورسل الخلاص المنشود.
لا يخفن من أزيز رصاصٍ يلعلع في طريقهن، ولا من قذائف هابطة من سماء الأقزام، فطلقة الجبن لا تخيفهن، وقذائف الخزي لا ترعبهن |
لا يخفن من أزيز رصاصٍ يلعلع في طريقهن، ولا من قذائف هابطة من سماء الأقزام، فطلقة الجبن لا تخيفهن، وقذائف الخزي لا ترعبهن. يسرعن وفي إسراعهن جبروت امرأة، كانت غلطتها على حد تعبير فولتير أنها لم تكن رجلا، وفي أيديهن أكياس البذل والندى، بعد أن غذين السير ما استطعن في نيل حاجيات الأنبياء، فهن جبهة على خط التاريخ، بل تاريخٌ مدني تحرري حضاري، بإزاء التاريخ الإمامي الحجري الخامل.
تحملهن أقدامهن الأخّاذة من قنن العزّ ، ويتطوفن في المدينة كما لو كن خليفة للمسلمين!، فمن تباب المعارك إلى مدارج المستشفيات، وتطبيب جراح المصابين، أولئك المصابون الأفذاذ الذين يجدون جراحهم تلك نياشين شرف ورموز بطولة.
فيعطين لهذا المصاب مبلغ من المال يتبلغ به وعائلته، ويعطين ذاك مبلغا آخر ليتعالج من جراحه الغائرة، بعد أن خذل العالم جرحى مدينتهن، كن تلكم النسوة عالم بحيالهن.
تنتابني نشوة الإعجاب كلما وجدت منشورا لإحداهن، يتحدث عن زياراتهن، وبذلكم المنشور صورٌ لكراتين الماء والعصائر التي يحملنها على تلكم الرؤوس الشامخة كشموخ جبل صبر، أو حليهن التي لا تلذّ لهن كما تلذّ لهن الكرامة والإباء.
إنهن رجال في أثواب نساء، إخترن طريق الرفعة واقتبسن سير الرائدات، فاختارتهن مدينتهن "تعز" كما اختارهن الوطن كل الوطن، مثالاً نخبوياً باقعاً، وواجهة وضاءة مترعة البذخ. في إسنادهن معية رحموتية، ففيهن تكمن الرحمة، وبهن يتنزل النصر المظفر. وفي مسارهن ذاك يبلغن المكانة المرموقة التي تليق بالمرأة.
"كنا نخرج في الغزوات مع رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، نداوي المرضى، ونسقي المصابون، ونرد الجرحى إلى المدينة" الربيع بنت معوذ. فكم في تعز الحرائر من ربيع، يخضن غمار المعارك بالسلاح الذي أتيح لهن؛ إذ لكل معركة سلاحها، وكم من أعنة يخطمنها في سبيل شحذ مكامن الهمم، وإنهاض إيمان الأنبياء إذا ما استيأسوا.
يشاركن في أقدار الوطن، فهو إلى تعز أحوج، وإليها أقرب، فمنها خرج أول صوت "الشعب يريد إسقاط النظام" فهبت جموعهم المباركة وسقط الصنم |
إنهن ثورة قامسة، وملحمة شجاعة، ومهبط وحيٍ خلّاق ، أتين ولهن في الماضي بلقيس، وأروى، وفي ثقافة إنسانهن مزايا الصالحات، فاجترحن المواقف القعسى، واحتملن الهم بقوة من لا يخالجه الوهم، ومصباح تلك الشهيدة-تفاحة- واخواتها من شهيدات ثورة 11 فبراير في أيديهن.
إن ركاز الحرية وجوهرها الأصيل، معتلقٌ ومتواشج في حرية المرأة، ولا حرية للرجل مهما أدعى، إن لم تكن تلكم المرأة مالكة زمام حريتها كماه، ولأن تعز مدينة وعي كانت الحرية الواعية ماثلة في قالبها، فبالمعرفة أدركن الكهنوت والطاغوت، كما أدركن بالإزاء صالح الوطن وكنه الوطنية، وبالمعرفة أرسلن فلذات أكبادهن الكماة الحماة إلى الشهادة، كما أسدلن عن ماهيتهن حقيقة وجودهن، فكان منهن ما أسلفنا وما لا يسع المقام لكسره وزبره، وكن بعد اجتذاب المعارف واكتناز الحرية، سهام مريشة في نحور لصوص الله، ومردة الإمامة الحوثية والعفاشية على السواء.
فجر الأمل بعد ليل اليأس، وذروة الحق بعد بلوغ الباطل، ومخاض الأسى في خضم اختبار الصبر. كل ذلك؛ وفي ذلك كله؛ يعملن على صنع انفجار الفجر بعد ليالي الحندس، ويرفعن من قيمة الحق وبهن الصبر الجميل، والمحامد الزاكية.
يشاركن في أقدار وطن، وليس مدينة فحسب، فالوطن إلى تعز أحوج، وإليها أقرب، فمنها خرج النبلاء والنبهاء، وفيها صدع أول صوت "الشعب يريد إسقاط النظام" فهبت جموعهم المباركة وسقط الصنم مضرجاً بدماء جرائمه، تلك الجرائم التي أعادها جذعة بحقدٍ أسوَد، فكانت تعز موطن الثأر لتكالب حقده، وعمق انتقامه، وكانت كارثته هناك، حيث وقف أنبياؤها البررة كالطود، ونسائها الشامخات،حتى الحذاء؛ الحذاء وقف في مواجهته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.