شعار قسم مدونات

الشيخ باي.. قصة ظلم موريتانية

موريتانيا

كان يوم الرابع عشر من يوليو/ تموز حزينا، شحب فيه وجه العدالة وازداد ترهل القضاء الموريتاني. في ذلك اليوم حكمت محكمة الجنح في نواكشوط على الصحفي والناشط الموريتاني الشيخ باي ولد محمد بالسجن النافذ ثلاث سنوات وغرامة 20 ألف أوقية، وهو الثائر الرافض للظلم وتزييف الحقائق، تلك كانت جريمته الوحيدة، كان الحكم على خلفية رمي الشيخ باي لحذائه في وجه الناطق باسم الحكومة.
 

الرمية التي تقصّد فيها عدم إصابة الوزير، فهدف الشيخ باي لم يكن الإصابة بل إرسال رسالة مفادها أن من يتولى تجميل صورة النظام الفاسد لا يستحق سوى النعال البالية، وهو فعل مدني دارج في كل ديمقراطيات الكوكب.

صدر الحكم القاسي رغم أن ممثل الادعاء العام طالب بأخف العقوبات في قضية الشيخ باي وأخذ الظروف المخففة بعين الاعتبار، لكن الحكم جاء سياسيا ساديا، حيث قام القاضي بالحكم بأقصى حد للعقوبة.
 

 موريتانيا يعاني بعض متثاقفيها عقدة الرفض العربي والتشكيك في "عروبتها".

قضية الشيخ باي كانت مدخلا لمزيد من التكميم والقمع، فبعد النطق صرخ بعض النشطاء في قاعة المحكمة ببطلانه فتم اعتقال خمسة منهم وزج بهم لاحقا في السجن، ولحقهم اثنان آخران حضرا لبرنامج تلفزيوني عن "القمة العربية" وصرخا بالحرية للشيخ باي ورفعا نعليهما، فزج بهما في السجن، وتم قمع جل الوقفات المتضامنة معه،  وكان القمع وحشيا.
 

وفي سياق متصل منع الكاتب السويسري المصري طارق رمضان من دخول موريتانيا وتم ترحيله من مطار نواكشوط، وكان طارق قدم لإلقاء بعض المحاضرات بدعوة من جمعية أهلية محلية.

كل ما سبق من تضييق كان من أجل عيون القمة العربية ولتستحق موريتانيا أن تكون "عاصمة العرب"، حيث قمع الشعب من أجل راحة الأنظمة السلطوية.. موريتانيا التي يعاني بعض متثاقفيها عقدة الرفض العربي والتشكيك في "عروبتها".
 

لنتحدث قليلا عن تلك القمة "الغمة"..
 

وافقت موريتانيا على استضافة القمة بعد اعتذار المغرب، سوّق ذلك الرفض على أنه نجاح دبلوماسي مبهر رغم أنه مجرد حدث روتيني، فموريتانيا تلي المغرب في الترتيب الأبجدي.
 

بعد الإعلان عن الاستضافة، بدأت البروباغندا السلطوية تعمل على شيطنة كل من ينتقد القمة العربية أو من ينادي للتظاهر واتهامه بأنه "غير وطني"، وأنه يجب السكوت ودعم الحكومة في استضافة القمة، بدأ التحضير من خلال وضع بعض المساحيق على العاصمة، ليس كل العاصمة طبعا- بل الأماكن التي قد يمر بها الضيوف، قيم ببعض الإجراءات لإجلاء المظاهر غير برجوازية من تلك الأنحاء.

 

ضويق السكان في عيشهم وفرضت إجراءات جديدة تحد من حركتهم وكل من انتقد ذلك يتهم بالخيانة، وكان الشعار "لا تفسدوا القمة العربية" كأن الاحتجاج والانتقاد يفسدها!، وكاد الخطاب يصل لأنه علينا ترك العاصمة للقمة وأهلها، ولم يطرح شخص منهم كيف ستنجح تلك القمة وما هو معيار ذلك النجاح؟ ومتى تم التعويل عليها؟.
 

حضور السيسي الطاغية الذي يسحق الإنسان في وطنه أمر مثير للغثيان، وكان انتقاده مرفوض كأنه جريمة حرب.

ومن الإشكاليات التي طرحت بشدة كيف يمكن لموريتانيا توفير السكن للوفود مع ضعف القطاع الفندقي-طبعا السجون جاهزة للنشطاء وتكفيهم-، حتى مكان الاستضافة طرح إشكالا، فلا توجد قاعة تفي باحتضان" أجسام" الطغاة العرب، لذلك تم اكتراء خيمة كبيرة غالية السعر، كانت باهتة كبهوت قرارات القمة، كأنها خيمة لاجئين.
 

نقاش القمة لم يقتصر على جانب البنى التحتية والأمور اللوجستية بل للحضور، مثلا، حضور السيسي الطاغية الذي يسحق الإنسان في وطنه أمر مثير للغثيان، وكان انتقاده مرفوض كأنه جريمة حرب، حتى أن بعض الأصوات الثقافوية السلطوية بدأت تنظر لأن بلدا مجاورا يريد إفساد القمة، كانت أصوات حرب وهمية على طريقة النظام الشمولي في رواية 1984.
 

بالرجوع لقضية المناضل المخذول الشيخ باي، أتذكر قضية أخرى حدثت 2015، بطلها شاب من محيط الجنرال محمد ولد عبد العزيز، أطلق الرصاص على عامل في بقالة بنواكشوط، أصابه لكن نفس القاضي الذي حكم على الشيخ باي، حكم على ذلك الشاب بسنة واحدة غير نافذة، النعل إذن أخطر من الرصاص!.
 

ويسرح الآن ابن الجنرال محمد ولد عبد العزيز ويمرح بل يرأس جمعية خيرية، وهو الذي قام قبل سنوات بإطلاق الرصاص على فتاة وحولها لمقعدة، لم يقدم لمحاكمة ولم يصدر بحقه حكم، جلس فقط لساعات في مفوضية الشرطة.
 

ويبقى السؤال المطروح متى يفهم نظامنا وغيره من الأنظمة العربية أن الظلم هو الذي يفسد الدول وليس القمم الكرنفالية فقط؟، متى يفهمون أن السجن والاعتقال ليسا حلا، وأن الدول تحصن بالعدل والحرية؟، الحرية للشيخ باي، الحرية لعلاء وسناء وباسل ولكل سجناء الرأي في العالم، الحرية للشعوب المكلومة.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان