لن يشعر بما أقول هنا إلا من يعيش في ظل نظام قمعي كما أعيش، لذلك فأنا على يقين أن معظم العرب سيشعرون بما أقول.
أنا شاب عايش ثورة كسرت عنده كل حواجز الخوف من الظلم، وأدهشته بمقدرتها على إزاحة الظلم في وقت قياسي، وعلمته بحق أن الشعب إذا اجتمع على قلب رجل واحد فلن يقدر أي كيان كائنا من كان على الوقوف بمواجهته.
استنشقت هواء الحرية وأدركت معناها، عرفت كيف أفتخر بكوني مصريا، شعرت بالرثاء للشعوب التي لم تشعر بما أشعر به من الحرية والفخر والاعتزاز.
عشت في حلم أن بلدي سيصبح من ديمقراطيات العالم التي يحكى عنها في كتب التاريخ، حلمت بأن جيلي سيعيش في خيالات وأماني الطلبة أثناء حصص التاريخ ويتمنى كل طالب لو كان فردا من هذا الجيل مثلما كنت أفكر كثيرا وأنا أقرأ أمجاد أجدادي من الفاتحين، فجأة وبلا أي مقدمات وجدت بلدي يجر جرا إلى الوراء عشرات السنين بسرعة مهولة، وصار مضرب الأمثال في الدكتاتورية والفاشية بعدما كانت الحرية فيه ملء السمع والبصر، كل هذا وأنا لا أعرف ماذا أصنع.
عندما أفرغت ما في نفسي من مشاعر على الورق نشرت ما كتبت على أحد المواقع المحترمة، أحسست في نفسي بشعور الحرية يرتد إلي شيئا فشيئا |
فجأة أيضا سحبت من يدي ومن أيدي كل حر في بلدي أدنى صلاحيات المواطنة من إبداء الرأي أو المعارضة أو المخالفة، سمعت عددا من الاتهامات تلقى جزافا على أي شخص يحاول أن يقول الحقيقة أو حتى يشير اليها من بعيد، عدد رهيب من الشعارات التي عفا عليها الزمن أصبحت هي المسيطرة على المشهد، بعض هذه الشعارات كانت تقال أثناء الثورة، ولكن ما أقبح الشعارات الثورية عندما تفرغ من معناها ويخلو منها الصدق، ما أقبح الشعارات الثورية عندما يرددها من قامت الثورة عليه وعلى أمثاله!
أصبحت الثورة التي كان الجميع يشيد بها وبمن قام بها جرما يجب حساب من يتحمل جريرته، ترحم الناس على أيام المخلوع مبارك ونسوا أو تناسوا جرائمه التي قد تضيق المجلدات بحصرها، التاريخ الذي يدرس في المدارس أصبح يزور بمنتهى الصفاقة، نصبوا أبطالا من ورق وأحرقوا الأبطال الحقيقيين.
ماذا أفعل وقد تعلمت أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأنا أفترض أني لست شيطانا ناهيك عن أني لست أخرس، وأنا في قمة الحيرة اتجهت إلى الورقة والقلم وصرخت بما يجيش في نفسي من كراهية للظلم وحب للحرية وتوق إلى الديمقراطية.
عندما أفرغت ما في نفسي من مشاعر على الورق نشرت ما كتبت على أحد المواقع المحترمة، أحسست في نفسي بشعور الحرية يرتد إلي شيئا فشيئا، أعلم أن هذا قليل ولكنه كما يقال جهد المقل، من وقتها أحسست بأن الواجب يحتم علي أن أمسك بقلمي ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأن أقول ما أعرف أنه الحق والصواب.
فإذا سألني أحدهم لماذا تدون؟ لا أجد عندي جوابا إلا أن أقول: أدون لكي لا أنسى الحرية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.