شعار قسم مدونات

صديقي الطبيب.. فلتدخل التاريخ!

blog-الطبيب

لا يزال مجال الطب يحتفظ ببريقه وصيته، ومكانته الاجتماعية المرموقة بين المجالات الأخرى، وليس هذا الاهتمام وليد الساعة بل منذ القدم حيث قال الإمام الشافعي رحمه الله "لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غالبونا عليه".

حتى إن الأطفال منذ صغرهم يخبرونك بأمنيتهم في صيرورتهم أطباء في الكبر ولا تلبث هذه الأحلام أن تتبدد حين تصطدم بصخور الحياة ومصاعبها والموفق هو من يحوز على شرف الالتحاق بكلية الطب، وأغلب النماذج تسير على حسب هذا المنوال: الالتحاق بكلية طب عادية والتخرج بتقديرعادي وفتح عيادة عادية وروتين يومي عادي حتى يكبر في السن ويجلس في بيته العادي!

شهادة الطب لا تمنعك من الدخول إلى التاريخ من بوابات أخرى، فالطبيب يستطيع أن يكتب قصيدة لكن الشاعرلا يستطيع أن يكتب وصفة طبية 

ومع تغيرالأزمان والأحوال أصبح خريجوا كلية الطب في بعض الدول لايجدون وظائف لكثرتهم، ففي الهند مثلا يقدم بعض الأطباء خدماتهم على الطريق، وأصبح هناك ما يسمى ب(الطبيب المتجول)على غرار البائع المتجول، فصارت شهادة الطب وحدها لا تكفي لأن ينال المرء ما يصبو إليه من تميز ورفعة، وأصبح البحث عن طبيب صاحب رقم صعب في مجاله هو الشائع.

إن مداخل التاريخ كما قال المؤرخون ثلاثة أحدها هو الإتيان بعلوم جديدة كما فعل ذلك فلاسفة اليونان وبوابة الطب مشرعة للدخول عبرها إلى أوسع أبواب التاريخ، خصوصا إذا أتى المرء بما يجعل اسمه محفورا لا يمحيه تقادم الزمن في عصر تفجر المعلومات وصدام الحضارات وليس ذلك بالأمر المستحيل ، لكنه شاق يهون على من روض نفسه لبلوغ المعالي .

والطبيب المسلم أولى من غيره في اكتشاف العلوم فسالف عهده يشهد له بأن أجداده هم السابقون في الطب على غيرهم ، والدخول إلى التاريخ يكون مصحوبا عادة بلذة الإنجاز التي تصبغ حياة الطبيب بلون محسوس غير مرئي .

كما أن شهادة الطب لا تمنعك من الدخول إلى التاريخ من بوابات أخرى فالطبيب يستطيع أن يكتب قصيدة لكن الشاعرلا يستطيع أن يكتب وصفة طبية .

إلا أن أغلب النماذج التي حولنا قصرت اهتمامها وإنتاجها في الطب فقط ولم تتميز لا في الطب ولا في غيره.

وبالمناسبة فإن أطباء المسلمين القدامى لم يكتبوا في الطب فقط بل تجدهم قد صنفوا في الفقه والفلك والرياضيات بل وحتى الكيمياء .

لا يبلغ العلياء إلا مزاحم، ومن أراد السيادة ترك الوسادة، ومن لم يتموقع يتقوقع، ومن لم يتجدد يتبدد، ومن لم يتقدم يتقادم

إن الله عزوجل سيحاسب كل إنسان بحسب ما أعطاه من قدرات وإمكانيات وغالبية الأطباء يكونون من صفوة المجتمع و خيرة أبنائه فلماذا يقصرون نفعهم على نطاق ضيق، ينحصر في مستشفى أو عيادة أو كلية طب؟ أليس الطبيب أولى من غيره ليتصدرالمناصب ويتحمل المسؤوليات ويترأس المؤسسات ويعتلي المنابر ؟.

وأسوق لكم على سبيل المثال لا الحصر نماذج من الأطباء الذين تميزوا في غيرمجالاتهم مثل : مهاتير محمد ومصطفى محمود وإبراهيم ناجي وعبدالعزيز الرنتيسي وعبدالرحمن السميط ونبيل فاروق وغيرهم الكثير، ممن خلعوا المعطف الأبيض، وصنعوا أمجادهم بعيدا عنه .

فلا يبلغ العلياء إلا مزاحم ومن أراد السيادة ترك الوسادة ومن لم يتموقع يتقوقع ومن لم يتجدد يتبدد ومن لم يتقدم يتقادم، والسيف بضاربه لا بحده والعلم بحامله لا بكمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.