شعار قسم مدونات

الوجه الآخر للموت

Muslim woman cry near coffins of their relatives, who are newly identified victims of the 1995 Srebrenica massacre, which are lined up for a joint burial in Potocari near Srebrenica, Bosnia and Herzegovina, July 10, 2016. REUTERS/Dado Ruvic

في ماضٍ يزيدُ عن عشرة أعوام، بدأتُ ألتَفِتُ لدروسِ التربيةِ الإسلامية، تلكَ التي تتحدثُ عن عُمَر. 
كانَ قد جذَبَني فيهِ أمرٌ اعتبرتهُ -لوقتٍ غير بعيد- بسيطاً أمامَ ضخامةِ عُمر.

 

كنتُ لا أفهمُ ما الذي جعلَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم يُلقِّبُهُ "الفاروق" ، فكانَ هذا الغموضُ في الفهمِ هو ما جعلني أغوصُ في عُمَر .
 

بطبيعةِ الحال، لم يقنعني تبرير مُعلمةِ الثقافةِ الإسلامية للأمر: بأنهُ فاروقٌ فرَّقَ بينَ الحقِّ والباطل، فكل المسلمينَ يومَ إسلامهم قد فرّقوا بينَ الحقِ والباطل.
 

لمَ عُمر تحديداً؟

تساؤلاتي بقيَت إلى ما قبلِ ثلاثةِ أعوام،

يومَ تلقيتُ خبرَ وفاةِ صديقةٍ مُقرَّبة..

عُمر الفاروق لم يُفرِّق بين الحقِّ والباطِل فقط بل كانَ الوحيدَ الذي عرَّفَهُما تعريفاً ديناميكياً بعيداً عن كلِّ المثالياتِ والتبسيطات

ليلَتها تهاويتُ كما يتهاوى الجبلُ ذراتٍ من تُراب، وبدت مقولة "كفى بالموتِ واعظاً يا عُمَر" تتجلى لي بوضوح.
 

بدَت أنّها حلُّ اللُّغزِ الذي أرَّقَني و أعجَزني أعواماً عديدة.

كانت  لِعُمَر نظرةٌ أخرى عن الموت، ما كانت لتكونَ لولا أن ذاقَهُ بوفاةِ صاحِبيه: الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكرٍ رضي الله عنه.
 

عُمر لم يُفرِّق بين الحقِّ والباطِل فقط بل كانَ الوحيدَ الذي عرَّفَهُما تعريفاً ديناميكياً بعيداً عن كلِّ المثالياتِ والتبسيطات.
 

عُمرَ طبَّق المفاهيم وجسَّدها، في زمنِ اختلطت فيهِ وتشابَكت، كما أنهُ بطبيعةِ الحال، أعادَ تعريفَ الحقّ الذي عجِزت أدمغتُنا عن فهمه.

أعادَ تعريفَ الموت جاعِلاً منهُ مليناً لقلبهِ بعدَ غيابِ اللّينِين.
 

كانَ قوياً صلباً، لكِنهُ إذا ما ذُكِر الموتُ انهمرت دُموعه، ذلكَ أنهُ قد فهِمَ أن الموتَ لحَظَة تسبِقُها حياةٌ وتتلوها حَياة، وأنَّ الأخيرةَ مُرتكِزةٌ تمامَ الارتِكازِ على الأولى.
 

عُمَر كانَ أقوى من أن يُقعِدَهُ المَوت، وأضعفُ من أن يلقى ربَّهُ صفرَ اليَدين فكانَ عُمَر وكانَ الفاروق ، وكانَت: "كفى بالموتِ واعظاً يا عُمَر".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.