ولعل أبرز مظاهر الخلل أن لا يستطيع المرء الاعتراف بوجود مشكلة، وكيف يمكنه معالجتها وهو لا يعترف بها؟
وتزداد مشاكل التفكير فداحة عندما نرى أن الجامعة فقدت السيطرة على ملكة التفكير، فلا يستخدم فيها عقل في العلم، وهناك نقل منظم وجمع المعلومات دون أي نظام عقلي يتحكم فيها أو يحاول أن يشكك فيها.
أضحى العلم في الجامعة عبارة عن فقرات وعبارات تحفظ وتستظهر، وأصبحت تلك المعلومات المقدمة فيها مسلمات تؤخذ على علتها. وتعطيل العقل في مناحي الحياة أمر غير مقبول ولا يورث إلا التقليد الأعمى والبئيس، فيصبح الإنسان آلية لتنفيذ المخططات المسلم بها.
والفيلسوف والمفكر المغربي طه عبد الرحمن خير دليل على من حاول فهم العقل الغربي الذي هزم المسلمين، ونقد هذا العقل جعله منطلقا لتصحيح أخطاء المسلمين.
الإحجام عن الإبداع والتفكير أمر سلبي يدمر البحث العلمي، واستخدام العقل مطلب أساسي |
إن الإحجام عن الإبداع والتفكير أمر سلبي يدمر البحث العلمي، واستخدام العقل مطلب أساسي في ذلك، والانكباب والإخلاص الأعمى للمنهج والمنطق، حتى أصبح الباحثون يتكلفون إرضاء للمنهج والمنهجية، وهذا يتعارض مع عدم وجود حدود للعقل، نحن لا ننكر دور المنهج وأهميته القصوى.
لكن ربما لم يفهم الباحثون جيداً معنى استخدام المنهج واحترامه، ويبدو هذا جليًّا في بعض الأبحاث التي لا تجد فيها إلا المنهج حاضراً في المقدمة مُعْلَنًا عنه لكن بلا مضمون يوظف فيه المنهج، وهذا قتل واضح لملكة التفكير.
يقول إمانويل كانط "للعقل البشري، في نوع معارفه، هذا القدر الخاص: أن يكون مرهَقاً بأسئلة لا يمكنه ردّها، لأنها مفروضة عليه بطبيعة العقل نفسه؛ ولا يمكن أيضاً أن يجيب عنها، لأنها تتخطى كليًّا قدرة العقل البشري".
والنظرة العميقة في إحدى المكتبات العربية أو في معارض دور النشر، ستوصل إلى فرضية مهمة هي أننا نعيش أزمة الإبداع بكل مظاهرها، كتب مصفوفة في المكتبات، أغلفة بلا روح فكرية ولا إبداعية.
وهو ما عبر عنه الأستاذ رشيد مشقاقة وهو يصف البحث العلمي في القانون والكتب المنشورة في هذا الباب، بـ"إشكالية الغلاف في القانون المغربي"، وهي عبارة تحمل الكثير من معاني الحسرة على البحث العلمي والكتاب عموما، الذي لم نتنافس فيه إلا في مجال الغلاف وكتابة اسم الكاتب قبل عنوان الكتاب أو العكس.
وينضاف إلى ذلك ما يعيشه الشاب العربي من نفور من القراءة، إذ لا يبحث إلا عن التحصيل الجاف في المدارس والجامعات، حتى تحولت الجامعات والمدارس إلى أماكن تخريج آلات تستظهر ما تم تلقينه لها، دون أي من مهارات الاشتغال، أو ملكات الفكر والعقل.
إن أهم أسباب الأزمة الفكرية في العالم الإسلامي والعربي، هو تأثير النسق التكنولوجي في العقل العربي الإسلامي.
فهل سيخرج العالم الإسلامي غدا عالما ومفكرا، باحثا وروائيا من طينة الذين سبقوا؟
سؤال ربما استنكاري أو استفزازي، لكنه مهم جدا لنعرف أين نحن ذاهبون؟ هل لنا عقل نفكر به؟ ما هو مستقبلنا؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.