شعار قسم مدونات

سوريا.. مريض لا يريدون له علاجا

blog سوريا

منذ خمس سنوات وسوريا الجريحة طريحة الفراش لا تكاد تجد طبيبا يبلسم جراحها، كيف لا وأطباء هذا العالم ينظرون إليها نظرةَ الحائر الذي لا يعرف دواء لأسقامها ولربما نظرة المتَشَفِّي الذي يعرف الدواء لكنه يتمنَّع عن تقديمه لها، ولعل بعضهم يسعى في علاجها لكن لا أحد يساعده بل يريدون طرده من المستشفى.. نعم، إنه مستشفى دول هذا العالم الذي يشرف عليه "أطباء بلا ضمير"، لا يؤلمهم حال مرضاه بل يضاعفون معاناتهم.

سوريا قد تكون أسوأَ مرضى هذا المستشفى حالًا، فالورم الذي أصابها منذ خمسين سنةً لا يريد أن يتركها هكذا دون أن تصرُخ طويلا وتتألَّم وتبكي كثيرا، دون أن تفقد أجزاءً منها ويذبل وجهها الناعم.. حالُها كحالِ المريض الذي يخشى أطباؤُه من شفائه فيصبح وبالاً عليهم.

الأكيد أن سوريا لن تموت ما دام فيها شعب يتمسك بالحياة وما دام فيها طفل يدرك معنى الحرية ويغني لأجْلِها

قد يتوهم بعض الناس أن بقاء السوريين تحت وطأة النظام المستبدّ أرحم مليون مرة من ثورة يدفعون ثمنها مئاتِ الآلاف من الأرواح وألوفًا من البيوت المهدمة.. ألا يدركون أن الأمراض كلما طال أمدها كلما زادت كلفة علاجها وكلما كان الشفاء منها أصعب.. هي هكذا الثورات تفور فيها أنهار الدماء لتروي أشجار الحرية، ورحم اللّه شوقي إذ يقول :
وللحرية الحمراء باب * بكل يد مضرجة يدق.

سوريا اليوم تثور على مرضها، تحاول أن تستأصله بنفسها، مرضها متجذر، قديم، اكتشفته يوم أن ثارت أخواتها (تونس ومصر واليمن ثم ليبيا) فقرَّرت أن تحذُوَ حذْوَهم، لكن يبدو أن هناك من يريدها مريضة أبدَ الدهر.. يدرك أنها لو تعافت لقضَّت مضاجعه كما قضَّتها أخواتها.. إنهم أعداء السّلامة البدنية لبلداننا من أمراض الاستبداد والتخلف والفساد.

"مِن الحمق أن تستجدي طبيبا لا يريد لك شفاء". هكذا حال بعض العرب يريدون من المجتمع الدولي أن ينظر في حال شقيقتهم المريضة وهو الذي يكتفي بحقن أمصال "جنيف" التالفة وربما تصدّق ببعض العقاقير المسكنِّة من "القرارات الأممية" بينما ليست لديهم أدنى شجاعة لأن يتوشّحوا لباس الأطبَّاء ويدركوا أختهم قبل فوات الأوان (طبعا هذا إن أحسنّا الظن، فلا غَرْوَ أنَّ بعضهم يتمنى أن تظلَّ أسيرةً لمرضها)، لكن ماذا تريد من عاجز لا يملك زمام أمره ولا يحمل مِلقَطا ولا مِشرَطا إلا بأذن من مُعلمه.

دواء سوريا يا سادتي لا يخفى عليكم "الضّمير".. الذي لم يتوفّر لحدِّ الساعة لا في صيدليات مجلس الأمن ولا الإتحاد الأوروبي ولا جامعة الدول العاجزة ولا في أيّ مكان من هذا العالم البليد الأصمِّ -ولا أخالُه متوفرًا- وما أرى إلا أن تستجمع خلايا الدفاع الثّورية نفسها لتدحر هذا الوباء قبل أن تصل فيروساته فتدمرها.. والأكيد أن سوريا لن تموت ما دام فيها شعب يتمسك بالحياة وما دام فيها طفل يدرك معنى الحرية ويغني لأجْلِها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.