لما هوى السيف على عنق "ويليام والاس" ميل جبسون في نهاية فيلم Brave Heart، بقيت آثار صرخته "الحرية" تدوي حتى الآن في وعي المشاهدين الذين خالطهم الحزن على موت البطل في توليفة الفيلم الأخيرة، تماماً كما هي مشاعرنا تجاه النظارة التي التقطها ذاك الطفل الليبي، بعدما سقطت على منصة مشنقة الاعدام، من يد " أنطوني كوين " عمر المختار في أسد الصحراء للعبقري المخرج مصطفى العقاد، لكن لماذا لا يموت البطل في أفلام هوليوود ؟
يقبل كوكب الأرض على كارثة نتيجة لتوقع اصطدام مذنب خارج عن إطار المجموعة الشمسية، في فيلم Armageddon, والاسم مقتبس من نهاية دينية للعالم، وفي تطور القصة يقود بطل الفيلم "بروس ويليس" وبن أفلك المشهد، وعندما يضطر أحدهما للاختيار في التضحية، يضحي البطل بنفسه ليضمن حياة ابنته مع حبيبها "بن أفلك" والذي لا يقل بطولة عن أبيها، فتضحي هوليوود ببطل فيلمها لكن تحتفظ للجمهور في نهاية الفيلم ببطل احتياطي رأيناه طوال رحلة الفيلم، يصبح زوجاً لابنة البطل المُطْلق.. فهل فعلا مات البطل؟
يصطدم منتجو أفلام "البطل الذي لا يموت" بالسياق التاريخي، ويقومون بالحديث عن إحدى مراحل حياته التي شكلت انتصاراً له وتغييراً حقيقياً في تحقيق أهدافه |
تشير إحصائيات الجمهور أن نهايات الموت في الأفلام لا تكون محببة، وأن التأثير الدرامي الفاعل والممتد لموت البطل قد لا يعني استمرارية الطلب على عروض الفيلم في صندوق شباك التذاكر، فعموم الجمهور الذي قد يخرج بقيمة الحرية أوالتضحية أوضرورة حمل الرسالة في موت البطل، يحب أن يخرج منتصرا ومحتفلاً وبعيدا عن التراجيديا، بعد أن أحب البطل وتوحد معه في أهدافه.
مع أن الأهداف في النهايتين تتحقق، لكن يبقى السؤال قائما هل نريد فيلما يكتفي بالاحتفال ويبث الأمل في نفوس الجمهور ويبيع أكثر في شباك التذاكر وتقبل عليه الفئات المتنوعة ؟ أم نريده محركاً داخلياً لإتمام ما حاول البطل الوصول إليه طوال الفيلم وفَنيَ في سبيله ؟
غالباً ما يصطدم منتجو أفلام "البطل الذي لا يموت" بالسياق التاريخي، خاصة إذا كان الفيلم من نوع السيرة الذاتية " ويقومون بالالتفاف حول المسألة بالحديث عن إحدى مراحل حياته التي شكلت انتصاراً له وتغييراً حقيقياً في تحقيق أهدافه، لكن لا يجد المنتجون بداً من إنهاء حياته على الشاشة إذا كان سياق الموت هو التحول الحقيقي وصاحب الأثر الأعظم في تخليد هذه الأيقونة.
ينتهي المشهد في وسط الدمار الكبير وعلى أصوات أبواق سيارات الشرطة والتي تصل متأخرة، ليتجاهل البطل كل ذلك ويحظى بقبلة النهاية وسط الدمار. |
ولعل فيلم مالكوم اكس، أولنكولن من الأمثلة الواضحة على ذلك، خاصة أن نهاياتهم الحقيقية كانت الاغتيال. إلا أنها لم تكن ذات عوائد كبيرة في صندوق التذاكر، مقارنة بأفلام تلك السنة التي أنتجت فيها.
إن وجود البطل المطلق الخارق في أفلام السينما العالمية، صاحب القدرة على تجاوز المحن، وتحقيق الهدف المنشود، هولب الصناعة السينمائية والتي تُستغل في تحول الكثير من المآسي والهزائم في بعض السياقات التاريخية إلى انتصارات، وإن لم تكن على المستوى الميداني اوالعسكري فالانتصار يتحقق على المستوى الإنساني، ويعود الجندي الذي جُرّت جثث زملائه في العاصمة مقديشوفي الواقع منتصراً في مهمة إنقاذ ما تبقى من رفاق الدرب محولا الانظار عن الهزيمة الواقعية ومنتصرا علينا في ميدان الإنسانية.
في حين يستطيع الرجل العنكبوت إنقاذ مدينته الحضارية من براثن الشر، والوصول إلى حبيبته التي تداخلت مع أهدافه، وينتهي المشهد في وسط الدمار الكبير الذي حل في المدينة وعلى أصوات أبواق سيارات الشرطة والتي كعادتها تصل متأخرة، ليتجاهل البطل كل ذلك ويحظى بقبلة النهاية وسط الدمار، تاركاً الجمهور مشدوهاً مصفقاً، وشباك التذاكر ممتلئاً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.