علّمتني قصصُ التّاريخِ أنّه لا يُمكن التّنبّؤ بالنّاس!
فالصبيُّ الذي ناداه أبوه للذبح امتثل!
والرّجلُ الذي ناداه أبوه ليركب السفينة آثر الغرق!
الذين شقّ لهم موسى البحر بعصاه عبدوا العجل.. والذين جاؤوا لنزاله يوم الزّينة… صُلبوا، وقُطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف فلم يرتدّوا!
أبو بكر الرّجلُ الأسيفُ الذي لم يكن يقوى على القرآن ثبتَ كالجبل يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم، بينما انهار الصنديد عمر!
وعمر الصّلب كصخر جبل أبي قُبيس.. صار مع الخِلافة أحنُّ على النّاس من أُم.. يطبخ بيديه طعاماً لأطفال جياع.. ويخشى أن تتعثّر دابة عند شاطىء الفرات فيسأله الله: لمَ لمْ تُصلح لها الطريق يا عمر؟!
ما أوردته من قصص أعلاه تثبتُ أنّ النّاس يفاجئونك دوماً!
ولكنّ النّاس في هذا العصر لم يعودوا يفاجئونك بقدر ما يفجعونك!
مشكلة النّاس في هذا العصر أنهم ضدّ الفاعل وليسوا ضدّ الفعل ! إذا طبّع من نُحب دفنا رؤوسنا في الرّمال كالنّعام وإذا طبّع من نكره أقمنا الدّنيا ولم نقعدها |
عمرو خالد بكى مرّةً وهو يُحدّثنا أنّ امرأة دخلت النّار في هرّة، ثم دار الزّمان ورأينا ذاك الباكي شفقة على الهرر يخطب بالجيش المصريّ يحرض على قتل المتظاهرين في رابعة.. يريدُ أن يحاور البوذيّ والهندوسيّ والنّصرانيّ واليهوديّ وكلّ متردّية ونطيحة! وإذا ما تعلّق الأمر بفئة من المسلمين "فانتهى الحوار" !
الذين انتقدوا زيارة أنور عشقي لإسرائيل لأنها خيانة لله ورسوله، وهي كذلك فعلاً، لم نسمع لهم صوتاً عندما أعاد أردوغان تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبله بشهر، ومنذ أيام صادق البرلمان ذو الغالبيّة الأردوغانية على إعادة تطبيع العلاقات فلم نسمع لهم صوتاً.
صوتهم سمعناه في اليوم التالي ينتقدون صابر الرّباعي الذي التقط صورة مع ضابط إسرائيلي.
مشكلة النّاس في هذا العصر أنهم ضدّ الفاعل وليسوا ضدّ الفعل!
إذا طبّع من نُحب دفنا رؤوسنا في الرّمال كالنّعام.. وإذا طبّع من نكره أقمنا الدّنيا ولم نقعدها، تماماً كما كان يفعل بنو إسرائيل قديماً.. إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوا يده!
لا شيء أخطر على المبادئ من الخوف على المصالح !
إيران أقامت الدّنيا يوم إعدام موسى النمر، لكنها كلّ شهر تُعلّق زهاء ثلاثين شخصاً على أعواد مشانقها. وإن كان النمرُ له أولاد مبتعثون يدرسون على حساب الدولة، فإن ثلاثة وعشرين بالمئة من سُكان إيران السُّنة ليس لهم مسجد واحد! وأنا مع الرأي ضدّ المشنقة سواءً هنا أو هناك!
عندما تقرأ أدبيّات حزبُ النّور السّلفي تعتقد أنهم على بُعد خطوة من دعوتك لعبادة وليّ الأمر، فالخروج عليه حرام ومعارضته خيانة لله ورسوله، كُن كالخروف في القطيع واسمع وأطع ولو تولى عليك عبدٌ سيسيٌّ رأسه كأنه جُنيه وإلا دخلتَ النّار.. لكنّهم لسبب لا يعلمه إلا الله والرّاسخون في الدولارات خلعوا وليّ أمرهم كما تخلع الحيّة جلدها!
دريد لحّام ارتزقَ أعواماً بمسرحيات محمد الماغوط..
صدّع رؤوسنا بكاسك يا وطن.. وحثّنا على الثورة وحرّضنا على الفساد
وعندما استجبنا له ذهبَ ليقفَ مع الذين كان ينتقدهم ضدّ الذين كان يُحرّضهم.. تماماً كما كان نزار قبّاني ينتقد أجهزة القمع والاستبداد، ثم يستعين بأجهزة المخابرات ضدّ من ينتقد له قصيدة!
الليبراليون العرب مع الديمقراطيّة والدولة المدنيّة، ومع حقّ الشّعب في اختيار حاكمه، ولكنهم في انقلابي مصر وتركيا وقفوا مع الدّبابة ضدّ صندوق الاقتراع، ومع أحذية العسكر ضدّ الدّساتير المقدّسة.. يرسمون لنا سماءً من الحرّية، ثم نكتشف أن سقف سماءهم حذاء جنديّ يخرج علينا قائلاً "انتهت اللعبة الديمقراطية، نحن نتحكم برقابكم الآن"
حزب الله على بعد أمتار من فلسطين، ولكنهم جاؤوا لتحرير القدس في حلب.. يندبون الحسين – الذي وقف في وجه طاغية – يوماً في العام، وبقية أيام السنّة يساندون طاغية ضدّ شعبه.
قرأتُ مرةً على شاحنة لنقل الخضار جملةً تقول "الأحرار مع المبادىء والعبيد مع القوة، لهذا تجد الأحرار مع الضّحية والعبيد مع الجلاد"
ويستغربُ محلل على قناة المنار انقلاب الشارع العربيّ على سيّد المقاومة!
ويسأل لماذا كنت تدعون له عام ٢٠٠٦ وتلعنونه الآن، سلْ نفسك أين كانت بنادقكم يومذاك وأين هي اليوم!
يُدهسُ في فرنسا تسعون شخصاً فيقف معها العالم كله.. واليوم الذي يُقتل فيه في سوريا هذا العدد يُعتبر من أيام السلم.. يموتون بصمت دون أن يبكيهم أحد ولو بدمعة تمساح!
وبعد أيام يخرج هولاند ليرثي جنوده الذين قُتلوا في ليبيا.. ولا نسمع الذين كانوا ضدّ الدهس في فرنسا، وكلنا ضده بالمناسبة، ماذا يفعل جنودكم هناك ؟!
عانت الأمم في التّاريخ من أمراضٍ شتى بعضها كان شاذاً وبعضها كان مشركاً لكنّ هذه الأمة جمعت أمراض الأمم السابقة وتوّجتها بمرض التناقض |
دستور أمريكا ليس فيه كلمة ديمقراطية، ولكنّها احتلت العراق لإرسائها!
ورئيسها الحائز على جائزة نوبل للسلام ملطخ بدماء الأبرياء في العراق وأفغانستان.. وصواريخه منصوبة في أرجاء أوروبا وأسطوله الخامس يجوب البحر المتوسط!
بعد حرب غزّة الأخيرة استغربَ خطيب جمعة شهدتها وقوف العرب على الحياد وفي نهاية الخطبة أخبرنا أنّ ما يجري في سوريا فتنة عظيمة، وعلينا أن نقف على نفس المسافة من جميع الأطراف! هكذا ببساطة على الجميع أن يقفوا معكَ ضدّ جلادك، ولكن ليسَ عليكَ أن تقف معهم ضدّ جلاديهم.. فالطّفلُ في غزة أغلى من الطفل في حمص بحسب شريعة سايكس بيكو!
عانت الأمم في التّاريخ من أمراضٍ شتى.. بعضها كان شاذاً وبعضها كان مشركاً وبعضها كان يطفف الموازين، ولكنّ هذه الأمة جمعت أمراض الأمم السابقة وتوّجتها بمرض التناقض!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.