يَطِيرُونَ مِثلَ الحَمامْ
عَلى شُرْفَةِ الرّوحِ
يَنتَقِلونَ إلى عالَمِ الأنبياءِ الكِرامْ
يُنقّيهِمُ الدَّمُ مِنْ آخِرِ الذّنبِ ثُمّ يَفِيئُونَ لِلظّلّ حيثُ المَقامْ
يَطِيرونَ مثلَ حَمَامِ الحَرَمْ
على دَرَجٍ من هُيامْ
ويأتيهُمُ اللهُ يَسألُهُمْ: هل وَجِعْتُمْ؟
يَقُولونَ: يا رَبِّ شيئًا قَليلاً
فَيمسَحُ عنهمْ جُروحَ الزّمانِ ويُنشِئهم مِنْ جَدِيدْ
ويُورِثُهُمْ عالَمًا من خُلُودْ
يَقُولُونَ يا رَبِّ: هَذَا كَثِيرٌ … ونحنُ نَزَفْنا قَلِيلاً
وما انْفَثَأَتْ غَيْرُ بُقعةِ دَمْ
يَقولُ لهمْ: غيرَ أنّي بِها قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ
يَخِرُّونَ مِنْ فَرَحٍ سُجّدًا … يا إِلهي
أهذا جَزاءُ الشَّهادَةِ في عالَمِ الآخِرَةْ ؟!!
امْتلأتْ بِالدِّماءِ يَدِي … تَحَسَّسْتُ نَحْرِي، كَمْ سَعِدْتُ بِمَنْظَرِ رُوحِي تُعانِقُ رُوحَ أَخِي فِي السَّماءْ، أَخِيرًا لَحِقتُ بِسِرْبِ الضّياءْ … |
يُحدِّثُ أَوْسطُهم: لم أَكُنْ قد ذهبتُ إِلى الحَرْبِ
شاهَدْتُنِي صُدْفَةً في الرُّكامْ
مَضيتُ قَليلاً فَشاهَدْتُ سِربًا مِنَ الجُثَثِ الطّاهِرَةْ
رَأيتُ أخي يَرْفَعُ اليَدَ وَهْوَ يُلوِّحُ لي مِن بَعِيدْ
ويَهْذِي بِأُغنيةٍ ساحِرَةْ:
لَقَدْ فُزتُ يا صاحِبي … أينَ أنتَ أَلَنْ تَلْحَقَ الأنْجُمَ السَّائِرَةْ ؟!!
وَفِي لَحْظَةٍ حَائِرَةْ
مَدَدْتُ يَدِي نَحْوَهُ غيرَ أنَّ الغُبارَ الّذي غلّفَ الرُّوحَ غَيّبَهُ في الظّلامْ
حَزِنْتُ كَأنّي فَقدتُ المَكانَ … كأنّي فَقَدْتُ أَبِي …
سَقَطَتْ دَمْعَةٌ فَوْقَ خَدِّي …
مَدَدْتُ يَدِي نَحْوَ رُوحِي … هَمَمْتُ بِأَنْ أَتَنَاوَلَها … لَمْ تُطِعْني …
صَرَخْتُ بها: أَنْقِذيني فَإِنّي بَقِيتُ وَحِيدًا
أنا العَاشِقُ المُستهامْ
وَلَكِنّها لَمْ تُجِبْ وَكأنّي صَرَختُ بِأَعمدةٍ مِنْ حُطامْ
فَجْأةً مَرَّ سِربٌ مِنَ الطّائِراتِ
تَصَاعدَ فِيَّ الحَنِينُ … وَقُلتُ سَتأخُذُني لصديقي
مَضتْ في ثَوانٍ إلى هَدَفٍ آخَرٍ
وَبَقِيتُ يَتِيمَ المُنى …
غيرَ أنّي شَعَرْتُ بِدِفْءٍ يُغلِّفُ ظَهْري …
وشيئًا مِنَ الطُّهرِ يَملأ صَدْرِي ….
انْحَنَيْتُ لأَلْمِسَهُ … امْتلأتْ بِالدِّماءِ يَدِي … تَحَسَّسْتُ نَحْرِي
كَمْ سَعِدْتُ بِمَنْظَرِ رُوحِي تُعانِقُ رُوحَ أَخِي فِي السَّماءْ
أَخِيرًا لَحِقتُ بِسِرْبِ الضّياءْ …
يَقُولُ فتىً آخَرٌ:
يا إِلهي أَعِدْنِي إِلى بَيْتِ أُمّي
يَقُول: لِماذا؟
يقولُ: لِتَسْتَنْشِقَ العِطْرَ لَوْ مَرّةً واحِدَةْ
فقدْ مَلأ القَصْفُ كُلّ المكانْ … بِرائِحَةٍ مِنْ دُخانْ
يقولُ لهُ: هل تُرى لو تجيءُ إليكَ … فَتَسْتَنْشِقَ العِطرَ في لَحْظةٍ خالِدَةْ
يَقولُ: بَلَى يا إِلهي
فَثَانِيَةٌ في الخُلودِ … تَزِيدُ على كُلّ ما في الوُجودِ
إذا صارَ هذا الوُجودُ إِلى هُوّةٍ بائِدَةْ
أَعِدْني إلى الأرضِ حتّى أُجاهِدَ ثُمَّ أَمُوتَ.. أُجاهِدَ ثمّ أَمُوتَ… ما أَطْيَبَ المَوتَ… ما أَعْظَمَ الأَجْرَ… ما أَخْلَدَ الرُّوحَ… ما أَرْوعَ القَنْصَ في اللَّحْظَةِ الحاسِمَةْ !! |
يقولُ فتىً ثالثٌ: وَأَنا … ؟!!
يقولُ: تَمَنَّ فَلا شَيْءَ بعدَ الشّهادَةِ صَعْبٌ …
يقولُ: تَركتُ على ساحَةِ الحَرْبِ والقاذِفاتِ رَفِيقَةَ دَرْبِي
أَخافُ عَلى رُوحِها … وَأُحبُّ لها أن تَظَلّ بِقُرْبِي
يَقولُ: رَفِيقةَ دَرْبِكَ …
أَعْنِي أنا البُندُقِيَّةَ … هل أَسْتَطِيعُ اسْتِعادَتَها ؟!
فأنا – في سبيلِكَ – أعشقُ خَوْضَ القِتالِ … وَلَنْ أَستريحَ مِنَ الوَقْعة الدّائِرَةْ
يقولُ: وَمَنْ سَتُقاتِلُ بَعْدُ؟
يَقولُ: لأجْلِكَ لا لِسواكَ أَمُوتُ
أَعِدْني إلى الأرضِ حتّى أُجاهِدَ ثُمَّ أَمُوتَ … أُجاهِدَ ثمّ أَمُوتَ …
ما أَطْيَبَ المَوتَ …
ما أَعْظَمَ الأَجْرَ …
ما أَخْلَدَ الرُّوحَ …
ما أَرْوعَ القَنْصَ في اللَّحْظَةِ الحاسِمَةْ !!
يَقولُ: سَأُبْلِغُهُمْ ما تُرِيدُ
وَلَكِنَّنِي لَمْ أُعِدْ خَالِدًا للفَناءْ
لَكُمْ جنّةٌ لا يَرَاها سِواكُمْ
ألا فَانْعَمُوا أَيُّها الشُّهداءْ
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.