شعار قسم مدونات

"مامصوتينش" وما موقف شباب فدرالية اليسار من المقاطعة؟

blog انتخابات المغرب

كلما لاح موعد الانتخابات في الأفق تعالت أصوات في المغرب منادية بضرورة المشاركة بكثافة في هذه العملية لقطع الطريق على المفسدين، هذا الطرح يستمد قناعته من أن المشاركة الواسعة للمواطنين في اختيار الأشخاص النزهاء أو الأحزاب غير المتورطة في الفساد لتدبير الشأن العام هي السبيل الوحيد لمنع الأحزاب "الفاسدة" أو النخب الانتهازية من الوصول إلى مراكز القرار.

يرى معارضو الحكومة الحالية، خاصة اليسار المشارك في الانتخابات ومناصريه، أن الظرفية السياسية التي يمر منها المغرب تفرض مشاركة مكثفة والتصويت للحزب الذي يحمل أمل التغيير، وفي هذا الإطار يرى نور الدين الناصري أستاذ القانون المدني، أن الأحزاب ذات الأغلبية، خاصة حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، أكثر المستفيدين من العزوف عن المشاركة في الاقتراع.
 

الأحزاب أعلنت دعمها لموقف حركة 20 فبراير المقاطع للاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية، بمصوغ أن الدستور لا يضمن استقلالية السلطات الأربع التي يظل التعيين فيها بيد الملك

اليسار يتناقض
الملك باعتباره أعلى ممثل للدولة، في خطاباته، وآخرها خطاب العرش، يحث المواطنين على ممارسة سلطتهم من خلال الاقتراع، وهو أيضا ما تجسده الحكومة عبر حملات التوعية في التلفزيون والأماكن العامة. وتولي الجهات الرسمية العليا في الدولة الانتخابات -خاصة الانتخابات البرلمانية- أهمية بالغة من خلال الدعوة لمشاركة المواطنين فيها، إذ تعدّها مسألة إستراتيجية داخلية وحتى في علاقاتها بالمحيط الدولي.

ويفسر هذا الاهتمام بتفسيرات لعل أهمها أن حجم المشاركة يعد مؤشرا قويا حول مدى ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية ورضاهم على نجاعتها، كما تضفي المزيد من طابع المشروعية على نظام الحكم أمام المنتظم الدولي، فحتى وإن كان المغرب يتمتع بنظام ملكي، غير أنه مطالب خارجيا من خلال التزاماته وتوقيعاته على المواثيق الدولية، بإثبات مدى ثقة المواطنين في مؤسساته الرسمية خاصة تلك المنتخبة، ولأن الصناديق هي أهم آلية من آليات الديمقراطية وهي الوسيلة الأولى لتعبير الشعب عن إرادته، فان انخراط الشعب بكثافة في هذه العملية يعطي انطباعا في الخارج بأن البلد يعيش ديمقراطية متقدمة.

في بداية 2011 شاركت أحزاب اليسار الرافضة لتدخل النظام في الشأن السياسي ضمن كوكبة 20 فبراير، مطالبة الملك بإقرار دستور جديد مشترطة التخلي عن عرف ما أسمته "الدساتير الممنوحة"، وذلك بفتح المجال للهيئات المدنية للمشاركة في إنتاج هذا الدستور عبر مجلس تأسيسي.

وأمام تشبث النظام برؤيته لصياغة أول دستور في عهد الملك الحالي، أعلنت هذه الأحزاب دعمها لموقف حركة 20 فبراير الداعي إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور ونفس الشيء بالنسبة لانتخابات 2012 البرلمانية، الأولى من نوعها بعد إقرار الدستور، وذلك بمصوغ أن الدستور "الممنوح" لا يضمن استقلالية فعلية للسلطات الأربع التي يظل التعيين فيها بيد الملك الذي ما زال يشكل مركز القرار داخل هرم الدولة، كما أنه لا يُمتع رئيس الحكومة بالصلاحيات الكافية لإدارة البلاد، إذ إنه لم يقطع مع فلسفة الدساتير السابقة، وأولها دستور 1962 الذي رفضته النخب التقدمية آنذاك، فعلى أثر اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1962 خرجت هذه الأخيرة ببيان تاريخي جاء في ديباجته ما يؤكد ضرورة انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور ديمقراطي متحرر يعتبر الشعب مصدر السلطات.

بين 1962 و2011 مر الكثير من الوقت وتواترت الأحداث ودخلت البلاد في صراعات لعل أهمها ما شهدته فترة السبعينيات والثمانينيات من احتدام بين اليسار والدولة راح ضحيته الآلاف ممن تجرؤوا على المطالبة بفرض سيادة الشعب، إلا أن الدستورين حافظا على كثير من أوجه التقارب في ما بينهما، وإن كنا لا ننكر تقدم الدستور الأخير على سابقيه لكنه على أية حال يظل بعيدا عن تطلعات النخب الساعية إلى بناء دولة ديمقراطية تخضع كليا لحكم المؤسسات لا لأهواء الأفراد.
 

بعد أن حسمت أحزاب اتحاد اليسار قرارها لصالح المشاركة في الانتخابات، نتساءل إن كان سينخرط في هذه العملية شباب هذه الأحزاب

اليوم يجد اليسار الرافض للدستور نفسه في موقف تناقض، وإذا استثنينا حزب النهج الديمقراطي (شيوعي راديكالي) الثابت على موقف المقاطعة، فإن أحزاب فيدرالية اليسار مطالبون اليوم بتبرير مقاطعتها بالأمس الاستفتاء على دستور 2011 والامتناع عن المشاركة في انتخابات 2012، رافعين شعار "مامصوتينش"، وهم اليوم يعلنون نيتهم الترشح في الانتخابات القادمة، فكيف يمكن القبول بضمير مرتاح، الانخراط في مؤسسة تشريعية أو حكومة وفق دستور يَحول دون استقلالية فعلية للسلطة.

عندما سئل رئيس حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران عقب فوز حزبه في انتخابات 2012 البرلمانية، عن وزارات السيادة المكونة خصوصا من وزارة الداخلية، أجاب بلكنة حاسمة، لا وجود لوزارات سيادية مع الدستور الجديد، وحين تشكيل الحكومة فرض القصر بطبيعة الحال لمسته الفريدة بتعيين خمسة وزراء لم يصوت عليهم المغاربة، ثم خلال التعيين الثاني في 2013 أزيح وزير الداخلية المنتمي لحزب الحركة الشعبية محند العنصر، وعين بدله محمد حصّاد (غير متحزب)، كما عُيّن وزراء جدد كلهم تكنوقراط من خارج الصناديق وليس لديهم انتماء حزبي، ليبلغ عدد التكنوقراط ثمانية وزراء، بما يُجرد الناخب من حقه في معاقبتهم عبر الصناديق.

وخلال هذه الفترة العصيبة انبرت مصطلحات كالتماسيح والعفاريت والديناصورات وأخيرا "التحكم" من قاموس رئيس الحكومة الذي استعان بكل التلميحات التي تؤكد افتقاده للقدرة على التحكم في زمام الأمور بسبب ضعف مؤسسة رئيس الحكومة في دستور 2011 الذي "طبّل" له الحزب الإسلامي إلى أن ثُقبت طبوله، في وقت كان قد اختار فيه عشرات الآلاف من المغاربة من نخب سياسية وفكرية وحقوقية وإعلاميين، الساحات الكبرى وسط المدن، برلمانات لهم لإسماع صوتهم وللمطالبة بحق الشعب المغربي في تقرير مصيره من خلال اختيار وحيد وفريد ينقل البلاد إلى نادي الديمقراطية، مما كان سيجنب ما أسهم فيه بنكيران وحزبه، بعد ذلك، بفعل ضعف شجاعته السياسية في الدفاع عن صلاحياته التي انتزعت منه رغم محدوديتها، من تفاقم خطير للأوضاع على جميع المستويات، اجتماعيا وسياسيا وحقوقيا.

وأخيرا، وبعد أن حسمت أحزاب اتحاد اليسار قرارها لصالح المشاركة في انتخابات السابع من أكتوبر/تشرين الأول القادم، وهذا حقها طبعا الذي نحترمه، نتساءل ما إن كان سينخرط في هذه العملية شباب هذه الأحزاب الذين شارك جلهم في حركة 20 فبراير التي أنا شخصيا ما زلت أنتمي لها، والتي من المؤكد أنها حسمت مقاطعتها لهذا الاستحقاق، إلا إذا وعدت السلطة العليا جديا بإقرار مطلب الدستور الديمقراطي وفق المنهجية التي طالبت بها النخب السياسية منذ 1962.
 
________________________
* مامصوتينش: أي لن نصوت.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان