شعار قسم مدونات

سعرات سياسية..

blogs - football fans

هو نفسه من يبقى يحاول الدوران في مواقف المركز التجاري، حتى يقتنص مكاناً قريباً من المصاعد، ينزل من سيارته على باب المصعد، ثم ينتقل مجروراً عبر الدرج الكهربائي إلى "السوبر ماركت" في الطابق الأول، فاللياقة لا تساعد كثيراً على المشي.. يشتري لوازم السهرة الرياضية.
 

يطلب من عامل المتجر توصيلها إلى السيارة ثم يعود بنفس خارطة الطريق المريحة دون أن يحرق سعراً حرارياً واحداً.. في البيت يضع أمامه "لتراً" من الكولا، ويقوم بإيصال خرطوم الأرجيلة إلى الكنبة التي يجلس عليها.
 

يشتم ويتحسّر.. هذا هو العربي النمطي، فبالرغم من أن الجسد مثقل بالأوزار الدهنية إلا أنه يتمتع بمزاج رياضي حاد!

ولأن السمنة تمنعه من الانحناء وهو في وضعية الجلوس يضع على يمينه طبق من المكسرات المملّحة، وعلى يساره علبة سجائر إضافية، وقبل أن يطلق الحكم صافرة البداية، يطلق موظف "خدمة التوصيل" جرس الباب محضراً وجبة عائلية من "البيتزا" ليلتهمها بمفرده ويتابع المباراة ركلة بركلة، وصافرة بصافرة.
 

يشتم تارة ويتحسّر تارة أخرى وينتقد لياقة اللاعبين وسوء خيارات المدرّب.. هذا هو العربي النمطي، فبالرغم من أن الجسد مثقل بالأوزار الدهنية إلا أنه يتمتع بمزاج رياضي حاد!!!..
 

البعض ما زال يتعامل مع الوضع التركي بذهنية رياضية بحتة وكأنه يتابع الكلاسيكو، نفس طريقة التفكير، ونفس الانقسام، ونفس تهيئة طقوس المتابعة، ونفس السمنة الفكرية في التعامل مع الحدث والانتقاد والتأفف رغم أن لياقته السياسية لا تساعده في الجري وراء الحدث الحقيقي لأنه خارج اللعبة تماماً..
 

منذ لحظة الانقلاب الفاشل قبل شهر من الآن، ما زلت أتابع باهتمام شديد الانقسام "العربي" بين مشجعي "أردوغان" ومشجعي"الانقلاب".. تخيّلوا كيف اختزلت النهضة التركية بالزعيم، وكيف اختزلت العلمانية كلها في "الانقلاب"؛ لأن في ذهنية العربي لا بد من "ميسي" في السياسة.. و"ميسي" في الاقتصاد.. لا بد من شخص يهتف له.. بالمقابل، كارهو "ميسّي" لا بد أن يجدوا "رونالدو" ليشجعونه ويهتفون باسمه فلم يجدوا غير الانقلاب.. فاعتبروه رمزاً وشجعوه..
 

ما تابعته من تعليقات وكتابات لشرائح مختلفة من كتاب وسياسيين ومناضلين حتى، شعرت أننا ما زلنا في ذروة الانفصام النفسي… العربي إما مؤيداً لأردوغان، مصفقاً له، هاتفاً باسمه- رغم أن هذا العربي لم يبذل سعراً سياسياً واحداً ليختار من يمثله.
 

على الرغم من أنه أكثر من يعرف معنى الاضطهاد والتهجير والتوقيف ومنع السفر وفقدان الوظيفة بسبب حكم العسكر.. .يأتي ويهتف اليوم باسم انقلاب العسكر!

بالعكس فقد كان شريكاً في صمته ورضوخه، وربما بمباركته لما يجرى في بلده من تأليه الزعيم الأوحد والحكم الأوحد، وتفضيله للديكتاتورية الناعمة على الديمقراطية القادمة، مسبّحاً ليل نهار باسم العسكر، لاعناً ليل نهار صندوق الاقتراع، معتبراً إياه رجس من عمل الشيطان.. وإما علمانياً مناهضاَ لأردوغان، يكرهه لا لمشروعه، ولا لأن تركيا صارت وزناً في قبان السياسة والاقتصاد، فقط لأن أردوغان يحكم حزباً إسلاميا ناجحاً، محملاً إياه أوزار تخلف الأمة العربية وانقساماتها وأسلاكها الشائكة و"خربشة الرسالة الخالدة" وتراجعها وضياعها.
 

مدعياً خوفه من تصدير التجربة التركية في حكم الإخوان إلى باقي دول العالم وليس الوطن العربي متبعاً إياها بمصائب الكون جمعاء بما فيها ثقب الأوزون و جنوح الحيتان على شواطىء المكسيك.. وهذا العربي من النوع الثاني هو أيضا لم يبذل سعراً سياسياً واحداً في التغيير في بلده، بل آثر التذمر من الأوضاع العامة على المضي في التغيير، وبرغم أنه أكثر من يعرف معنى الاضطهاد والتهجير والتوقيف ومنع السفر وفقدان الوظيفة بسبب حكم العسكر.. .يأتي ويهتف اليوم باسم انقلاب العسكر…
 

النوعان العربيان المتضادان يتبادلان الشتائم والاتهامات والتخوين -تماماً كما يجري مع باقي العرب بعد مباريات الكلاسيكو- طبعاً هما لم يلمسا عشب الديمقراطية الأخضر يوماً ولم ولن يهزا شباك الحرية في الوقت الضائع من العمر..

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان