صدمتم حقا، يا للعجب! تذكرتم نكبتي وتغريبة شعبي الحزين الصابر صبرا أيوبيا، بدأتم تبدعون التصاميم واللوحات المتحركة والفيديوهات "الإنسانية" اللطيفة؛ وضعتموني على كرسي بلدي في الأمم المتحدة المترهلة وأجلستموني بجانب القلق أبدا، بان كيمون.
عيونكم قررت أن تذرف بعض الدمع المتعالي المترف، وجدتم موضوعا جديدا لإثراء النقاش على شبكات التواصل الاجتماعي، وصحفكم وقنواتكم حصلت على مادة إنسانية تجلب القراء والمتابعين، بعد أن اشتقتم لقصة جديدة تشبه قصة الطفل الغريق إيلان الكردي.
روسيا تنافس داعش في الوحشية وتبكيني في موقع قناتها الناطقة بالعربية، روسيا اليوم، يا للوقاحة! |
تتسابقون الآن لتفسير سبب صمتي وعدم صراخي ولا مبالاتي، بعد انتشالي من وسط ركام منزل عائلتي المدمر بقصف الطائرات الروسية الإجرامية، بعد أن طال بطشهم جل بقاع بلدي الجريح والغريق في نهر من الدم، والآن سأشفي غليلي فيكم.
لم أصرخ ولم أبال لأنني أعرف أني أعيش في عالم ظالم حقير وصراخي لن يغير شيئا في ضمائركم، فلم أعد أعيركم أي اهتام كأغلب أبناء شعبي المشرد، لماذا أصرخ ولماذا أتألم وأشارككم ألمي وأنا السائر نحو الهلاك كل لحظة؟
نجوت هذه المرة لكن سأقضي نحبي بقصف جديد للطائرات الروسية البغيضة أو ببراميل بشار المتعبد في محراب الطغيان والهمجية، أصبح الألم ترفا لا وقت لدي له، هل تعرفون أن 80% من أطفال وطني الجريح وشعبي القابض على الجمر تضرروا من سحق النظام لثورتنا المجيدة المخذولة، ذلك ما تقوله أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وأن هناك 7.5 ملايين طفل سوري، داخل وخارج دولتي المنهكة، بحاجة ملحة لمساعدة إنسانيّة؟
هل تدركون أن الطائرة الروسية التي كادت أن تضع حدا لعذابي اللحظي، وأن تنهي حياتي وتخلصني من آلامي، قتلت من أبناء بلدي أكثر من الذي قتلت عصابة داعش، قتلت 2704، منهم 746 طفلا، أما الوحش الداعشي فقد أزهق أرواح 2686، منهم 368 طفلا، تلك إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
يقتلنا صمتكم و"مجتمعكم الدولي" المخزي، الصامت الخائن لثورة شعبي، المتجاهل للمأساة السورية، وأعرف أن أسبوعا يكفي لنسيان مشهدية صورتي الدرامية |
روسيا تنافس داعش في الوحشية وتبكني في موقع قناتها الناطقة بالعربية، روسيا اليوم، "يا للوقاحة!" روسيا وحلفاؤها صلبوا وطني منذ خمس سنين، وتحاول المشي جنازة قصتي ونكبتي، أعرف أنكم تعلمون ذلك لكنكم لا تهتمون!
لم أعد أعير هذا الواقع أي اهتمام، لم أعد أبالي، دموع التماسيح التي تذرف اليوم باصطناع مستفز ومن عيون وقحة، لا تبهجني ولا تثلج صدري، بل أمتعض من تحويلي لسلعة.
أنتم من قتل إخوتي وسيقتلني.
يقتلنا صمتكم و"مجتمعكم الدولي" المخزي، الصامت الخائن لثورة شعبي، المتجاهل للمأساة السورية، وأعرف أن أسبوعا يكفي لنسيان مشهدية صورتي الدرامية، مثلا، هل تحركتم بعد نحيبكم الزائف على صورة إيلان الغريق المقذوف من بحر ظلمكم، هل تغير شيء، اكتفيتم بإنسانية تمثيلية، وبقيت الحال على ما هي عليه، بل زاد حجم الكارثة.
تبا لكم أيها الإنسانيون الآنيون، تسقطون ويسقط عالمكم، هذا ما كنت أريد أن أخبركم به وأنا صامت غير مكترث بعد كارثتي، مسحت جبهتي بنفسي فلا أنتظر منكم معروفا، تألمت لذاتي، صرخت في داخلي، وهكذا سيفعل شعبي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.