في البداية -والبداية دائما ما كأنت شاقة- طموحات وآمال دائما ما كانت ممزوجة بالانتكاسات القاسية. من جد وجد ومن زرع حصد، هكذا تعلمنا في طفولتنا، بالطبع هذه مقولة عربية خالصة، ولكنها تطبق في أرض بعيدة جدا عن وطنا العربي الكبير.
تسأل نفسك إن كان العمل من أجل العيش أم العيش من أجل العمل، سيبقى هذا السؤال معلقا في ذاكرتك كثيرا من الوقت |
عزيزي القارئ، إن كان اقتادك القدر أن تقرأ تلك الكلمات بحثا عن حافز أو مثال حي لأشخاص حققوا الثراء في سن مبكرة أو إحدى مقالات التنمية البشرية، فيؤسفني أن أخيب آمالك بأن ما تبحث عنه غير موجود هنا. سنتحدث عن مرض مخفي عن أعيننا منذ مئات السنين، يوم تقدم العالم وأصبحنا في ذيله، لا يوجد له مصل، فقط ندركه بعد فوات الأوان، حين يمر من العمر ما لا يمكن استرجاعه.
حينما تتخرج و تبدأ العمل (إن كان متاحا في بلدك)، ستحاول أن تحقق آمال الصبا، فتجتهد في العمل حتي تنسى الغاية من العمل الحقيقية، فتسأل نفسك إن كان العمل من أجل العيش أم العيش من أجل العمل، سيبقى هذا السؤال معلقا في ذاكرتك كثيرا جدا من الوقت، أنت في الحقيقة تعرف الإجابة لكن سيبقي وهم البحث عن الراحة بعد العناء يراودك طويلا.
تبقى حياتك داخل دائرة مفرغة، تعمل من أجل الأسرة والراحة، فلا تجد الراحة ولا حتى تبقى الأسرة |
سيقول لك اجتهد في هذا العقد حتى ترتاح بعده، وحين ينتهي دون تغير سيعود ويكرر كلامه مرة أخرى، وهكذا مرة تلو مرة، ستصدقه في كل مرة يقول فيها ستصبح وستفعل وكأن المستقبل أمامك طويل.
تبدأ حياتك تتحول تدرجيا لثور مغمّى العينين مرسوم له مصيره، لا يملك الإرادة على مجرد التفكير في الهروب من الجحيم أو تغيير المسار، فالمسؤوليات الموضوعة على كاهلك والضغط المتزايد يفقدك التوازن العقلي، وكم منا فقد عقله وارتكب جرائم وصفها الناس بالكوارث، وحملوه الذنب كله، وتناسوا المسببات الحقيقية. تبقى حياتك داخل دائرة مفرغة، تعمل من أجل الأسرة والراحة، فلا تجد الراحة ولا حتى تبقى الأسرة.
وحين تصبح كهلا، ويثقلك المرض والإجهاد، ويصبح بينك وبين الموت وعكة بسيطة، قد تكون تخطيتها بسهولة في شبابك، تظل منتظرا الوقت الذي سيعفون فيه عنك، ويفكون قيدك ويرجعون إليك المتبقي من حريتك، لكن لن يكون لديك القدرة حينها على الاستمتاع بها، وهكذا تظل إلى أن تفارق الحياة مثلما جئتها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.