لم يكن سهلا علينا أن نخالف المعتاد ونخرج عن المألوف الذي يقضي بأن نسميك على اسم جدك، وهو أحلى الأسماء محمد، إلا أننا أردنا -أمك وأنا- أن يكون لاسمك ارتباط وثيق بأحلى ما حدث لنا ويحدث.
ولما أخبرنا أهلنا أنّه وقع الاختيار على اسم "ملهم"، لحظة ولادتك، كان قولهم إنه "اسم لا يشبهنا"، قصدوا إيقاعه الموسيقي مع كنيتنا واتساقه مع جرس أسماء أفراد عائلتنا الآخرين، إلا أن اسمك اسم يشبهنا كثيرا يا بابا، بإيقاعه الإنساني الدافق، وانتمائه إلى أعزّ ما نحسّ بالانتماء له اليوم؛ ثورة شعبنا ضد طغيان عائلة الأسد الطائفية المجرمة.
ما زلتَ صغيرا جدا يا بابا، لم تخط خطواتك الأولى بعد، رغم أنك تحاول بدأب طفوليّ حلو، فكل ما مضى مذ أشرقتَ علينا لا يزيد على سبعة أشهر، وإني أكتب لك عن معنى اسمك في ذاكرتنا اليوم، خوفا على ذاكرتك بعد نحو 14 عاما، حيث آمل أنه سيكون بإمكانك حينها أن تقرأ هذه المقالة، وأن تعي ما فيها.
حينما حان موعد العرس.. ذيلنا بطاقات الدعوة التي قدمناها للمدعوين: "جنّة الكبار منازلهم"، كان المدعوون هم الأطفال فقط، فحضرها في الغوطة والوعر نحو 800 طفل |
كانت فكرتنا ببساطة، أن نقيم عرسا مزدوجا ومتزامنا في المناطق الثلاث، يفرح فيها الأطفال المحاصرون على نفقتنا، بينما نقيم أنا وأمك جمعة صغيرة معدومة التكاليف لأقرب الأصدقاء في إسطنبول حيث نقيم.
وذيلنا بطاقات الدعوة التي قدمناها للمدعوين: "جنّة الكبار منازلهم"، كانت حفلة عرس يحضرها الأطفال فقط، وحضرها في الغوطة والوعر نحو 800 طفل من أبنائنا هناك.
أردنا أن نكون متسقين مع أنفسنا ومع ما نؤمن به، ومع ما يحدث في بلدنا التي خرجنا منها عام 2014، وأن نكون أقرب لأكثر الفئات المتضررة من إرهاب نظام الأسد الأسود.
إنّ اسمك اشتق من رفض الحصار واحتقار القائمين بجريمة التجويع، وازدراء من يخنق السكان في بلداتهم حتى الموت، لأجل هذا المعنى أسميناك ملهما |
كان اسم الشهيد "ملهم الطريفي" يلمع في الذهن، إنه الشاب الذي هبّ لنجدة مدينة بانياس التي حاصرها النظام خلال مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار من عام 2011، لقد نظّم سيارة مساعدات من مدينته جبلة، القريبة إلينا، وقادها بلا خوف إلى بانياس تضامنا مع أهلها، وليخفف من وطأة الحصار.
فإذا ما سألك أصحابك يوما عن معنى اسمك، فلا تُقلبّن معاجم اللغة (مُلْهَم: من أَلهَمَ، يلهم إلهاماً فهو ملهِم واسم المفعول ملهَم، مَن له قدرة على توليد المعاني والأفكار)، لا، ما هذا معنى اسمك يا بابا!
إن معنى اسمك الذي من أجله انتخبناه لك، هو الشهامة والنخوة، وإغاثة ومحبة المحاصرين والتضامن معهم والسعي للتخفيف عنهم، إنّ اسمك اشتق من رفض الحصار واحتقار القائمين بجريمة التجويع، وازدراء من يخنق السكان في بلداتهم حتى الموت، لأجل هذا المعنى أسميناك ملهماً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.