عندما ضجت مواقع التواصل بصورة الطفل آلان تلفظه قسوة البحر ممددا على شاطئ التخاذل الذي أرداه، عاجلتنا بعده صور لأطفال آخرين كانت آخرها صورة الطفل عمران وقد بقي هو لعمار الأرض بجيل قد يختلف عن جيل الفضاء الافتراضي.. وقد حركت يومها صورته ملايين المغردين وملايين "الفيسبوكيين".. تغريدة من هنا تقض لحنها آهات الحزن.. وبوست هناك يتفجر غضبا.. وبقيت صورة عمران تبكينا كلما نظرنا إليها حتى اللحظة.. وبقي السؤال ماذا نقدم لك يا عزيزي الصغير!
لا يمكن أن ننكر حجم التضامن الشعبي مع عذاب الشعب السوري.. ولكن هناك شيء ناقص، رائحته العجز يفوح في كل مكان.. ليس بالعجز الكامل! بل يخالطه شيء من التهاون باعتبار أن الركون إلى عالم الفضاء الافتراضي قد يفي بالغرض! وأن أياً منا عندما يثور في مواقع التواصل الاجتماعي فقد أدى ما عليه من واجبات!
عمران وغيره آلاف الأطفال في سوريا وفلسطين والعراق ومصر وفي كل مكان! لا ينتظرون منا أن نتفنن في التضامن معه على مواقع التواصل الاجتماعي! فالدور الأكبر لهذه الوسائل هو التعريف بما جرى ويجري ولكنها في الحقيقة لن تغير شيئا إلا إذا اقترن ما يتم نشره فيها بتحركات على الأرض.. وهنا مربط الفرس! في الحقيقة ليست فرسا بل هي وحش كاسر بات يجردنا من طاقاتنا الداخلية ومن قوتنا في أن ندافع عن كل مظلوم باسم الإنسانية.. نتفنن في وسم تغريدة، وفرحتنا الكبيرة عندما يحصل أحدنا على عدد كبير من اللايكات أو المشاركات لها!! لكن فرحة عمران لم تكن يوما بذلك.
عمران ينتظر منك صفعة على خد التخاذل، ثورة في ساحات التهاون، دمعة على جدران النسيان، قبلة على بندقية الضعف ولا تظنن أبدا أنه ينتظر لايكا |
ابحث في داخلك عن وسيلة التعاطف المثلى مع كل مظلوم، ابحث داخلك عما تقدر عليه نفسك، فإن استطعت أن تتضامن معه بعملك فلتفعل، إن ناسبك بالتظاهر فلتتظاهر بتحرك حقوقي، فلتتحرك بالدعاء، لم لا، لكن لا تجعل ركونك فقط إلى الفضاء الافتراضي وفي الفضاء الواقعي أمكنة كثيرة شاغرة وما زالت تنتظر أبطالا يملؤونها.
تستحضرني لتقريب أهمية عدم الركون إلى مواقع التواصل صورة ذلك العالم الذي كان يضع أبحاثه في فضائه الافتراضي على الورق كيف أنه قاتل ليثبت نظرياته على الأرض وبعضهم دفع حياته ثمنا لذلك! لو لم يفعلوا لكنا إلى يومنا هذا أسرى الجهل والحياة الخالية من أي ابتكار علمي نقلنا نوعيا إلى عالم جديد.
قد تدور الدوائر يوما ويصبح الطفل هو طفلك والقضية هي قضيتك! ما أصعبها من لحظة وأنت تشاهد العالم مكتوف الأيدي لا يحرك ساكنا إلا تحريكا لكلمات تضج بها مواقع التواصل، وصورك تملأ الأرجاء وأنينك لا يزداد إلا سوء.
عمران ينتظر منك صفعة على خد التخاذل، ثورة في ساحات التهاون، دمعة على جدران النسيان، قبلة على بندقية الضعف، ولا تظنن أبدا أنه ينتظر لايكا.
ولئن كان العنوان يقول غير ذلك، فكم من عناوين خداعات، والحقيقة لا تكمن إلا في تفاصيل الأمور، وهكذا التضامن مع أي مظلوم. إن كانت مواقع التواصل عنوانا للمأساة فإن الحقيقة تكمن في تفاصيل البحث عن شيء يترجمها على الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.