كانت ألمانيا النازية متقدمة على أعدائها في بداية الحرب العالمية الثانية على كل المستويات تقريبا، التنظيم العسكري والتقنية والتسليح والتنظيم الاستخباراتي، وذلك باعتراف العسكرييين البريطانيين الذين التحموا بهم في المعارك ورأوا بأنفسهم مظاهر السبق والتطور حتى علق مرة أحد ضباط المغاوير البريطانيين عندما رأى طائرة مائية يبرز منها مدفع آلي خلفه وجه صارم تهبط بجانب زورقه لإنقاذ طيار ألماني كانت طائرته قد سقطت لتوها " إنهم منظمون للغاية لا يشبهوننا ".
معظم أنظمة الأسلحة التي شكلت وجه العسكرية العالمية وصارت أساسية منذ نصف القرن العشرين وحتى الآن جذورها ألمانية نازية .. الصواريخ الجوالة القنابل الموجهة الصواريخ الباليستية وغيرها.
وعلى مستوى التنظيم بدأ الألمان مثلا قوات الاستطلاع التابعة للمخابرات العسكرية التي تعمل خلف خطوط العدولحيازة المواد الإستخباراتية المهمة قبل تدميرها من قبل العدوأوأثناء الهجوم.
الإنسان طبيعته الفطرية غير مستقرة، متقلبة، ضعيفة أمام المغريات، وبالتالي يحتاج دائما إلى الوجود في جماعة تضبط إطار حركته هذا في الحياة العامة |
باختصار كان الألمان مؤهلين تقنيا وعسكريا للحفاظ على انتصاراتهم التي حققوها في بداية الحرب وفرض أنفسهم على العالم كقوة عظمى لعقود طويلة فما الذي أدى بها إلى النهاية المأساوية التي علمنا ؟
إنه حكم الفرد المهووس اعترف له البعض بعبقرية عابرة عندما إقترح بعض الخطط التي حققت نجاحات مبهرة في بداية الحرب فتمادى به الغرور إلى تنحية كل القادة العسكريين الأفذاذ الذين أحاطوا به عن التأثير في مسار الحرب ومضى يسيرها برأيه وحده .
الإنسان طبيعته الفطرية غير مستقرة متقلبة ضعيفة أمام المغريات وبالتالي يحتاج دائما إلى الوجود في جماعة تضبط إطار حركته هذا في الحياة العامة فما بالك بإدارة حرب عالمية . أغرى هتلر النكاية التي حققها في دول أوروبا وتفوقه على قيادة الحلفاء المتمثلة في بريطانية الديموقراطية العريقة فظن أنه يمكن أن ينتصر على العالم كله ومن هنا جاءت الهزيمة قدرته على فرض هذا الرأي المخالف للمنطق على الدولة الألمانية قادتها إلى الدمار.
ومن أين جاءت هذه القدرة ..من نظام الحزب الواحد المعب ذوالقبضة الأمنية الباطشة التي تمنع أي صوت معارض في أي شأن من شئون الحياة فضلا عن شئون الحرب . لم يشارك الشعب الألماني في حربه التي خاضها رغما عنه ضد العالم سوى بماله وأرواح أبنائه بينما رأيه كان مغيبا . ظلت الحرب خاضعة لعناد الديكتاتور فقط حتى أتت على كل إمكانيات ألمانيالمتفوقة وعلى حياة وكرامة الشعب الألماني وأحرقت أرضه.
في أحد الأفلام الوثائقية عن الحرب الباردة يوجه ضابط المخابرات السوفيتي السابق حديثه إلى الصحفي الأمريكي قائلا لديكم الأطفال الصغار يستطيعون التعامل مع الحاسب الآلي أما عندنا فالجنود يحتاجون إلى تدريب مكثف حتى يستطيعوا التعامل مع المعدات التي تحتوي على حاسب آلي .
لقد رفضنا أن ينتشر إستخدام الحاسب الآلي بين أفراد الشعب لأننا ظننا أن هذا سيجعل السيطرة على الشعب أصعب وبالتالي ينهار النظام . مصلحة سيطرة الحزب الواحد في الأنظمة الدكتاتورية مقدمة على تقدم ورفاهية الشعب المحكوم . هذا هولب المشكلة الذي يظهره هذا الحوار بوضوح .
يحتاج الشعب إلى معرفة التعامل مع الحاسب الآلي حتى يدخل عصره ولا يتأخر في كل المجالات التي أصبح للحاسوب يد فيها ولكن هذا يضعف سيطرتنا على الشعب المقهور لأن هذه الأداة ستمثل بوابة للشعب إلى العالم .
إذن فليذهب التطور إلى الجحيم . وبالتالي إنهارت الدولة السوفيتية ولم تكمل ثلاثة أرباع القرن تاركة الولايات المتحدة ذات النظام الفيدرالي الديموقراطي المعقد الذي تتوازن صلاحيات سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية بشكل دقيق .. قطبا أوحدا يسود العالم .
ديموقراطية صغيرة في مواجهة عدة أشخاص تتبعهم دول في عام 1967 الشخص الأول جمال عبد الناصر تتبعه دولة تفوق إسرائيل وحدها عسكريا بالحساب الكمي هذا الشخص قرر وحده أن يغلق مضيق تيران ويشعل الحرب متذرعا بالخطر على حليفته رغم أن رئيس أركانه قدم له تقرير بناء على إستطلاع قام به شخصيا يفيد بعدم وجود أي حشود على الحدود السورية .
ثم قرر أن يتلقى الضربة الأولى من إسرائيل رغم تحذير قائد قواته الجوية من خطورة ذلك على قدرة قواته على إكمال الحرب . على الجانب الآخر كانت قرارات مثل هذه بدأ الحرب والقيام بالضربة الأولى على عكس الرغبة الأمريكية تتطلب اجتماع الحكومة وتصويتا ونقاشا مع القيادة العسكرية ولم يكن رئيس الوزراء أشكول قادرا على اتخاذ أي قرار وحده مدعيا الحفاظ على مصلحة إسرائيل رغم أن مصر هي البادئة بالحرب عمليا من وجهة نظر إسرائيل والعالم بإغلاقها المضيق الاستراتيجي.
ما حدث فيما بعد معروف فقد أخرجت القوات الجوية الإسرائيلية نظيرتها المصرية من الحرب في دقائقها الأولى ولكن كان التاريخ على موعد مع قرار منفرد آخر بالإنسحاب دون خطة أصدره قائد قوات عبد الناصر أدى إلى تدمير الجيش المصري تواجهت دولة القرارات المنفردة مع الدولة الديموقراطية فكانت النتيجة محسومة بشكل مأساوي.
في الديمقراطية إذا أخطأت السلطة التنفيذية الطريق فهناك عدة إجراءات لإيقافها عن طريق مؤسسات تعبر عن إرادة الشعب |
لماذا الديمقراطيات دائما أقوى ؟ لأن الديمقراطية تتضمن قدرات وإمكانيات وأفكار الملايين أو الآلاف -حسب حجم الدول- من البشر الذين يشاركون بشكل دوري في بناء وتحديد مسار دولتهم .
تسير هذه الدول بإرادتهم الجمعية لذا فهم دائما حاضرون في تاريخها يحققون النجاحات ويتحملون مسؤولية الإخفاقات ويحولونها بتضامنهم إلى انتصارات بعد حين.
على عكس الدكتاتوريات التي تقوم على خليط متجانس من البشر ذوي الرأي اواحد والصفات المتقاربة والتبعية لفرد واحد في الغالب عقله محدود ويحرص على أن يجمع حوله في جماعة الحكم من هم أكثر محدودية منه إذا تمادى لم يوقفوه وإذا أخطأ لم يقوموه وإذا أجرم لم يعاقبوه والشعب من بطشهم في رعب وصغار فتسير الدولة نحو هاوية لا تملك توقفا ولا تراجعا.
بينما في الديمقراطية إذا أخطأت السلطة التنفيذية الطريق فهناك عدة إجراءات لإيقافها عن طريق مؤسسات تعبر عن إرادة الشعب كما تعطي الديمقراطية دائما مجالا واسعا لإبداع أفراد الشعب ومساهمتهم في بناء مجدهم بالرأي والفكر والابتكار والنقد فتسير الأمة دائما للأمام بينما يوفر قمع الدكتاتوريات لتراكم الأخطاء الفرصة لمناسبة لتوقف الأمة في نهر التاريخ حتى تخرج منه كلية بعد فترة.
إن الديمقراطية لا تحمي السلام الداخلي بين عناصر المجتمع المختلفة عقائديا وفكريا فقط وإنما هي ركن أساسي من أركان بناء القوة في عالم لا يعترف إلى بالأقوياء فالقوة لا تعتمد فقط على أرقام صفقات الأسلحة وإنما على أرقام مشاركة الشعب في صناعة قراره أولا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.