شعار قسم مدونات

اكتبوا بالعربية وأحبوا بها

blogs 111

قدِم على أبي علقمة النحوي ابن أخ له

فقال له: ما فعل أبوك؟
قال : مات
قال : وما علته ؟
قال : ورمت قدميه
قال : قل قدماه
قال : فارتفع الورم إلى ركبتاه
قال : قل: ركبتيه
فقال : دعني يا عم فما موت أبي أشدَّ عليّ من نحوك هذا!!

رحم الله السلف كانوا أشد حرصا على بلاغة العربية وإتقان نحوها من حرصهم على عيالهم، فهم عرفوا أنه جلَّ المولى في علاه إذ قال "إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" قد شرف العربية بكتابٍ منزلٍ بليغ الكلم سليم النحو بديع الآيات والتصوير سماوي الرفعة.

نظم العرب الخطب والقصائد وكتبوا الدواوين وعشقوا بالعربية نساء عربيات وغير عربيات.. ولكن لغة القلب أبت إلا أن تكون عربية النبض

اليوم تقف الأجيال العربية موقف الضعف والحيرة في أمرهم فأمة تستعمر أراضيها وثرواتها لا عجب ان يحط المستعمر رحاله في صميم لغتهم وكيانها، فحضارة أي أمة ترتكز على ثلاث عناصر أرض وشعب ولغة، وفي هذا قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعي – رحمه الله – فى كتاب ( وحي القلم) : "ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ.

ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة ،ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها ، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً فى عملٍ واحد:-
أما الأولُ : فحبْسُ لغتهم فى لغتِهِ سِجناً مؤبداً
وأما الثاني : فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً
وأما الثالثُ : فتقييدُ مستقبلهم فى الأغلالِ التى يصنعُها ، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ."

واللغة مفهوماً باجماع العلماء: نظام صوتي يمتلك سياقا اجتماعيا و ثقافيا له دلالاته و رموزه و هو قابل للنمو والتطور يخضع في ذلك للظروف التاريخية و الحضارية التي يمر بها المجتمع.

واللغة باختلافها بين الشعوب لطالما كانت محط اهتمام الفلاسفة فيؤكد نعوم تشومسكي أحد أهم الفلاسفة المعاصرين أن دراسة اللغة ترتبط بدراسة الفكر البشري، فاللغة تفرض بشكل او بآخر على الانسان طريقة التفكير.

والعربية هوية حضارة زاخرة لعروبة أصيلةٍ جابت بقاع الارض مشارقها ومغاربها ففتح العرب مدائن وحصونا ونشروا ضادهم في ولاياتهم العربية منذ بدايات الفتح الاسلامي؛ فكانت الخلافات العربية وكان الأندلس الساحر بجوه ولسانه العربي الجزل.

نظم العرب الخطب والقصائد وكتبوا الدواوين وعشقوا بالعربية نساء عربيات وغير عربيات.. ولكن لغة القلب أبت إلا أن تكون عربية النبض.

اندمجت العربية بلغات الدول والمدائن هنا وهناك فنقل عنها العجم وامتزجوا ببعض مفرداتها أما هي فشامخةٌ ظلت تجود ولا تبخل..تعطي فتزداد غزارتها ويمتد بحرها كرماً وغنى.

أما اليوم وقد نسي شباب العربية مجد حضارتهم ووليد انجازاتها فوأد أكثرهم فيها النحو والبلاغة والجزالة ومتن الكلم وضوابطه، فتراهم يكتبون "الارابش" العربية بحروف الانجليزية ويتحدثون ما تقل فيه العربية ويكثره الانجليزية أو الفرنسية أو غيرها وهم شامخون للأسف بنقصهم وانتقاصهم لها. قال عمر بن الخطاب(رضي الله عنه): " تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل وتثبت المروءة" . تعلموها وعلموها لأبنائكم واعملوا على حفظها وقفوا لها موقف الدرع للفارس حماة حضارة ولغة وشعب كريم.

فالعربية ليست لغة تصطف حروفها كلمات متأنقة لشعب لا غاية له سوى التواصل والتفاهم بها . بل هي لغة لأمة اختارها الله لتحمل لواء الدين والحضارة وتجوب به أصقاع الارض وكان محمدٌ( صلى الله عليه وسلم) العربي اللسان والنشأة خاتم الرسالة السماوية منزلٌ باقرأ يا محمد اقرأ كتابك العربي" و وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ".

ينبغي على العرب أن يُقبلوا على لغتهم فعليها أصبحوا وأمسوا وبها أحبو، فلا عشق أبلغ من حروف يصوغها القلب عربية المعاني والألفاظ فيطيب العشق.. اكتبوا بالعربية وأحبوا بها

اقرأ بهذا اللسان الجميل وأقرِأ أمتك بهذه اللغة وهذه التدابير العربية. فحمل العرب الراية ونشروا دينهم ولغتهم وحضارتهم وعلمهم وفصاحة لسانهم في أنحاء الأرض. فالعربية للأمة كالقلب النابض في الجسد لا يصلح حاله بدون قلب وكذا الأمة العربية والإسلامية لايصلحا بدون العربية الفصحية الجزلة. يقول الرازي: "لما كان المرجعُ في معرفة شرعِنا إلى القرآنِ والأخبار، وهما واردان بلغةِ العرب ونحوهم وتصريفهم، كان العلم بشرعنا موقوفًا على العلم بهذه الأمور، وما لايتمُّ الواجب المطلق الا به فهو واجب" .

فمما لا شك فيه أن هذا واجب على كل فرد فينا ان يطلق العنان لنفسه فخرا واقبالا على تعلم كوامن العربية وحفظها فيحفظ بها تارخ اجداده وكنز امجاده . ومن اللطيف فيما يذكر ما أُثر عن أبي الريحان البيروني قوله: "لأن أشتم بالعربية خير من أن أمدحَ بالفارسية".

كفانا سباتا وهجوعا وكفى بنا جهلا وتأخراً فأطلقنا للمستعمر ارضنا ولغتنا وخيرات بلادنا فنهب منها ما لذ له وطاب وتجول طامعا شرسا في خرائط تاريخنا فخيم ظلامه على نورنا وغطت اجنحته الكاسرة ربوع أمجادنا وسرق منا الماضي وسخر لإرادته المستقبل. اخوتي من علم وعمل ساد ، ومن جهل وكسل باد.

أخوتي العرب.. كرموا لغتكم فتكرَموا بها وأقبلوا عليها مترفين بظلالها الوارفة وثمارها الطيبة فتقبل عليكم عرباً أصحاب مجدٍ وكبرياءٍ وحضارةٍ، أصبحوا وأمسوا بها وأحبوا بها فلا عشق أبلغ من حروفٍ يصوغها القلب عربية المعاني والألفاظ فيطيب العشق …اكتبوا بالعربية وأحبوا بها.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان