في سوريا.. عشرات الآلاف من السلال الغذائية توزع يومياً على العائلات المحتاجة، بينما لا تكاد تجد مشاريع تنموية تأخذ بيد المتلقين وتدربهم على استثمار مهاراتهم وطاقاتهم |
فالعمل التنموي بحد ذاته يجب أن يكون هدفاً استراتيجيا للمؤسسات العاملة في المجال الإنساني، وذلك على مبدأ "لا تطعمني سمكة، وإنما علمني الصيد".
العمل التنموي هو الضامن شبه الوحيد لتحسين ظروف العيش للمحتاجين، ورفع مستوى دخلهم، وزيادة فرصهم في العمل الكريم والحياة الهانئة.
في سوريا، عشرات الآلاف – إن لم يكن مئات الآلاف – من السلل الغذائية والتنظيفية التي توزع يومياً على العائلات المحتاجة في المخيمات والمدن السكنية، بينما لا تكاد تجد مشاريع تنموية تأخذ بيد المتلقين وتدربهم على استثمار مهاراتهم وطاقاتهم، فيما يعود بالنفع عليهم وعلى وطنهم.
تكمن المشكلة في أمرين أساسيين، الأول في نظرة قاصرة عند المتلقي والراغب بسد حاجته اليومية العاجلة قبل التفكير فيما يمكن أن يحصل له في الغد ،خاصة في ظل الظروف التي تخلفها الحرب بشكل يومي، والتي تجعل السوري يفكر بقوت يومه قبل مآله في الغد، وبسد رمقه ورمق أسرته قبل ايجاد عمل له.
والأمر الثاني يكمن في نظرة الداعمين والممولين – وخاصة المؤسسات الأجنية منهم -، والذين يقتصر دعمهم على الإعانة والدعم في المجالات الاستهلاكية دون المجالات الإنمائية والتي تنمو بالبلد والإنسان على حد سواء.
لدى المؤسسات الداعمة دائما مبررات لقلة دعمها في هذا المجال، وخاصة المبررات الأمنية والعسكرية، والتي تفترض إمكانية تعرض المشروع لقصف أو ما شابه، أو امكانية سرقة المشروع، أو تعرضه للنهب، ولكن كل هذه المبررات – وان بدت جادة – يمكن حلها، وقد تم بالفعل حل مجموعة منها من خلال مجموعة من التدابير التي تم اتخاذها.
لا ينهض وطن على مساعدات الآخرين، ولا تقوم دولة بغير سواعد وطاقات أبنائها |
المشكلة كما نعلم هي سورية بامتياز، ويقع حلها على السوريين أولاً، وبالأخص المؤسسات السورية العاملة في المجال المدني، دون انتظار جهة خارجية للقدوم إلى سوريا والمبادرة بحلها.
ولربما يبدو من الصعب للوهلة الأولى اقناع المؤسسات الداعمة بضرورة توجيه جزء من برامجها ومنحها الى تنمية الإنسان السوري، وزيادة قدراته، وتنمية الموارد الأساسية للبلد، ولكن، ولأهمية هذا الأمر في المستقبل القريب والبعيد، ولأثره على الشباب الصاعد، فإن علينا تسليط الضوء عليه وابتكار الوسائل المعينة على صنع واقع جديد، ينقل اللاجئ والنازح والمحتاج من تلقي المعونة إلى صنعها وإيجادها، وفي المستقبل البعيد إلى منحها وإعطائها أيضا.
يبدو هذا الحلم خيالياً للبعض، خاصة في ظل الواقع القاسي، ولكن – وإن بدا ذلك – فإنه أساسي واستراتيجي لعمران البلد، والنهضة بها، حيث أنه لا ينهض وطن على مساعدات الآخرين، ولا تقوم دولة بغير سواعد وطاقات أبنائها، وهذا الطاقات المعطلة هنا وهناك، لهي أصول مهمة للشعب السوري وعوامل نهضة يجب استثمارها والعمل على تنميتها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.