فيما هو قادم، سأحاول تحليل انتفاض وهياج عالم الجريمة ضد حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو في معزل عن تفسيرات المال السياسي وسيطرة الإعلام على عقولهم، لكن بالطبع هذا لا ينفي الأدوار التي قاموا بلعبها.
في البداية ينبغي إيضاح كيف كان ينظر الإخوان إلى هؤلاء المنخرطين في عالم الجريمة والبلطجة والعوالم السفلية داخل المجتمع المصري، لكن قبل هذا ومن أجل فهم أفضل سنقوم بالعودة عدة خطوات إلى الوراء لنلقي نظرة على رؤية الإخوان لأنفسهم.
علاقة الإخوان بعالم الجريمة والعوالم السفلى في مصر مرت بلحظة فارقة في الثلاثين من يونيو 2013، عندما انتفضت قطاعات كبيرة من هذه العوالم ضد "حكم الإخوان" |
فيشعر الفرد أنه في مكانة أعلى دينيًا -والدين هنا هو المعيار الأساسي للقياس بطبيعة الحال، إذ إن الجماعة في نهاية المطاف هي جماعة دينية- من باقي أفراد المجتمع الخارجي حيث يراهم في أفضل الأحوال "بشر بلا رسالة وبلا غاية يعيشون من أجلها".
وانطلاقا من هذه الرؤية للذات نشأت واحدة من أخطر الصفات داخل المجتمع الإخواني، وهي ما يمكن تسميته "الفضيلة المكتسبة"، بمعنى أننا -كأعضاء في الجماعة- أسمى وأنقى وأطهر من أولئك الذين هم خارج الجماعة، نحن أرفع منهم مكانة -من المنظور الديني بالطبع- نحن نحمل رسالة سامية أما هم فلا همّ لديهم يحملونه.
هذه الفضيلة المكتسبة خلقت عند أعضاء التنظيم حالة من الاستعلاء الأخلاقي على من هم خارج التنظيم، هذا الاستعلاء الأخلاقي ولد نظرة احتقارية بدرجة أساسية لغير "الملتزمين" بالتعبير الديني وبدرجة ثانوية للملتزمين من خارج التنظيم.
كان يتم رؤيتهم باعتبارهم أفرادا ينقصهم شيء كبير ألا وهو الانتماء إلى تنظيم يعيشون داخله ويتم توظيف جهدهم خلاله، باعتبار أن جهودهم من خارج التنظيم ستضيع سدى. وبما أن المعيار في القياس أو الشعور بالولاء والانتماء قائم هنا على الدين فقد تولدت أفكار تحتقر أفراد المجتمع الغارق في المحرمات والذي لا يحرك ساكنًا إزاء ما يقاسيه أفراد التنظيم، وبالطبع فإن أولئك الغارقين في المحرمات في عوالم الجريمة هم أدنى منّا مرتبة. ولقد لقيت هذه الأفكار رواجًا كبيرًا داخل الصف الإخواني لأنها في النهاية كانت تقدم لهم حسًا مميزًا وتضيف قيمة لما يقومون به وتجعلهم مميزين عن سائر البشر.
بناء على ما تقدم، تسوق جماعة الإخوان لنفسها باعتبارها مجتمع الأخلاق الحميدة وأنها مجتمع قائم على أساس أخلاقي متين يراعي مقاصد الدين ويتحرى الحق والصواب. هذا المجتمع وحدته الأساسية هي الفرد الذي له "سمت" خاص، هذا السمت هو مجموعة من الصفات والأخلاق والآداب ومقدار معين من التدين لا ينبغي أن يقل بأي حال من الأحوال، يميزه عن باقي المواطنين في المجتمع الأكبر.
تسعى الجماعة أيضًا من خلال عملية التربية أن تبني وتؤسس لـ"جيل رباني" أخلاقيّ بامتياز، يكون هذا الجيل النقي فيما بعد هو نواة لـ"جيل النصر"، ذلك الجيل الذي سيحرر الأوطان ويحقق "أستاذية العالم" كما تسميها أدبيات الجماعة.
رؤية الإخوان جماعة وأفرادا لعالم الجريمة والبلطجة في مصر كانت رؤية حتقار ممزوجة بالشفقة |
ورأت الجماعة نفسها دومًا مجتمعًا ملتزمًا بضوابط الشرع والأخلاق أكثر من غيرها، فرأت نفسها مجتمعًا أعلى من باقي المجتمعات داخل البلاد. ومع انحسار دور الأزهر بشكل كبير بعد سيطرة الدولة عليه، صارت الجماعة ترى نفسها ممثلا رئيسيا لفكرة المجتمع المُراعي للدين والأخلاق دون غيرها.
من هذه النظرة، فإن عالم الجريمة الغارق فيما يمكن تسميته بكل ما هو لاأخلاقي بالنسبة للإخوان، هو الذي يجب محاولة إصلاحه في البداية وتطويعه من أجل جعله جزءا لا يتجزأ من المجتمع الفاضل الذي تسعى الجماعة لتكوينه، فإن لم يكن وصار عقبة في طريق إصلاح باقي المجتمع فإنه يجب محاربته والقضاء عليه من أجل تحقيق الهدف الأسمى، ومن أجل مجتمع أكثر نقاء وأكثر أمانًا.
بناء على ما تقدم، فإنه يمكن استنباط أن رؤية الإخوان جماعة وأفرادا لعالم الجريمة والبلطجة في مصر، كانت رؤية احتقار ممزوجة بالشفقة على ما هم فيه، نظرة اشمئزاز تليها نظرة عطف.
من هذه النظرة نرى بوضوح أن العداء "الحذر" الموجه لعالم الجريمة من قبل عالم الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان المسلمين هو أمر طبيعي له أسبابه، باعتبار أن ذلك العالم يمثل أحد المشاريع المضادة لمشروعهم الخاص.
في التدوينة القادمة سيتم تناول رؤية الإخوان للثورة وكيف أثرت هذه الرؤية على العلاقة مع عالم الجريمة والبلطجة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.