شعار قسم مدونات

ثمن كشف الجرائم

blogs-yamen

أن تكون صحفيا ليست جريمة..

هذه الحملة التي أطلقتها قناة الجزيرة قبل أكثر من عامين.. يبدو أن هدفها النبيل لم يصل إلى دوائر صنع العنف أو أنها لم تعد مجدية في عالم اليوم المليء بالحروب والنزاعات التي يدفع المدنيون ومن ضمنهم الصحفيون ثمنها الأكبر الذي يفوق الثمن الذي يدفعه المتصارعون أنفسهم، فهم لا يعبؤون بحق الآخرين في الحياة ناهيك عن حقهم في الحرية ومعرفة الحقيقة وكشف المستور والمسكوت عنه.
 

في اليمن دفع الصحفيون ثمن انحيازهم للحقيقة وثمنا مضاعفا لإيمانهم بمهنتهم كشهود على وحشية ما تقترفه مليشيا الحوثي وصالح

فالقاعدة التي يبدو أن هذه الجماعات الإرهابية والأنظمة القمعية تعمل وفقا لها تتمثل في كون كل مواطن أعزل يعارض هو الهدف الأول وكل صحفي يود الحقيقة هو الأحق بالاستهداف.
 

في عالمنا اليوم لا هدف لتجار الحروب غير الحفاظ على جرائمهم بعيدة عن اعين الرأي العام ومنع الصحفيين من ابراز وجههم القبيح الملطخ بالدم ليس لايمانهم بعظمة الجرائم التي يقترفونها وانما بهدف الحفاظ على مصالحهم ومكانتهم في المجتمع وادراكا منهم ان فضح ممارساتهم غير السوية واللاإنسانية ستعصف بهم لاحقا.
 

خلال العام 2015 سجل الاتحاد الدولي للصحفيين مقتل 109 صحفيين حول العالم في سابقة تظهر فداحة الثمن الذي يُدفع مهرا لمهنة المتاعب في أكثر من بؤرة مشتعلة أو عبر عصابات المافيا.
 

في اليمن وخلال قرابة عامين من الانقلاب الذي قادته مليشيا الحوثي وصالح في 11 من سبتمبر 2014 دفع الصحفيون ثمن انحيازهم للحقيقة وثمنا مضاعفا لإيمانهم بمهنتهم كشهود على وحشية ما تقترفه هذه المليشيا التي قفزت فجأة من قاع الكهف في صعدة إلى قلب القصر في صنعاء في مشهد دراماتيكي تراجيدي لم يدر بخلد أحد.
 

عشرة صحفيين قتلوا في اليمن خلال العام 2015 كما أورد تقرير الاتحاد الدولي للصحفيين لتحتل بذلك اليمن المرتبة الثانية عالميا متساوية مع العراق ولتتوازى مليشيا الحوثي وصالح في الترتيب مع داعش في ارتكاب الجرائم بحق حملة الأقلام والكلمة في الشرق الأوسط.
 

كما تتحدث الإحصائيات عن أكثر من سبعة صحفيين قتلوا خلال الفترة المنصرمة من العام الجاري (2016)، وهذا العدد لا يزال مرشحا للارتفاع في ظل استمرار الاستهداف الممنهج للطواقم الصحفية والإعلامية من قبل مليشيا الحوثي والمخلوع خصوصا في ظل احتدام المواجهات مع قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية المساندة للرئيس عبد ربه منصور هادي في مختلف جبهات القتال خصوصا في صنعاء والجوف ومأرب وتعز والضالع وشبوة.
 

في الأسابيع الأخيرة قتل اثنان من الصحفيين هما مبارك العبادي مراسل قناة سهيل اليمنية في محافظة الجوف أثناء تغطيته للمعارك في مديرية الغيل بقذيفة بي عشرة أطلقها الحوثيون على موقع تواجده والصحفي عبد الكريم الجرباني الذي قتل أيضا أثناء تغطيته للمعارك في جبهة حرض ميدي بمحافظة حجة إلى الشمال الغربي من اليمن.
 

أما عدد الإصابات التي تطال الصحفيين فهي لم تعد تحصى فنقابة الصحفيين اليمنيين لم تعد تصدر بيانات إدانة لها كالمعتاد وكأن لسان حالها يقول للصحفي المصاب "الأهم أنك لم تمت"، أو ربما هي الحرب أيضا التي أجبرت هذه النقابة شأنها شأن منتسبيها على النزوح وعيش حياة التشرد والخوف معا.

ففي أيام قلائل أصيب اثنان من طواقم قناة سهيل الخاصة في صنعاء وتعز كما أصيب طاقم لقناة يمن شباب مكون من ثلاثة أشخاص في صنعاء.
 

في جزء آخر من هذا الوضع السوداوي تبرز الكثير من الانتهاكات التي تطال الصحفيين في اليمن، حيث إن أكثر من عشرة صحفيين لا يزالون في زنازين مليشيا الحوثي والمخلوع يتعرضون للتعذيب الممنهج والانتهاكات المتواصلة في غرف انفرادية كما يمنعون من الغذاء الصحي والدواء وفقا لما أكدته رابطة امهات المختطفين.
 

فهؤلاء الصحفيون الذين اختطفوا من مكاتب مؤسسات صحفية وإعلامية أو من منازلهم يدخلون عاما ثانيا وهم خلف القضبان وقد جرى مؤخرا نقلهم من سجن هبرة بالعاصمة صنعاء إلى سجن آخر أكثر سوءا وربما وحشية حيث يرجح أنهم في سجن الأمن السياسي وذلك على خلفية إضرابهم عن الطعام والذي استمر قرابة أربعين يوما قبل أن ينقلوا إلى هذا المكان الذي لا تخرج منه الكثير من المعلومات بسبب طبيعته كسجن أكثر تحصينا وأشد سوءا.
 

من الأوجه الأخرى لما يعانيه الصحفيون في اليمن أيضا عملية طرد المئات منهم من مؤسساتهم الصحفية إما بسبب إغلاق الانقلابيين لهذه المؤسسات التي تفضح جرائمهم أو من خلال إقصائهم وإقالتهم من المؤسسات الإعلامية الرسمية بحجة أنهم يؤيدون الطرف الآخر ولا يدينون بالولاء للانقلابين
الأمر الذي أدخل هؤلاء الصحفيين في ظروف معيشية صعبة ومجحفة فيما غادر جزء منهم البلاد وباتوا اليوم غير قادرين على العودة ليبدأ بعضهم مرحلة البحث عن فرص عمل خارج مهنتهم علها تقيهم الجوع الذي لا يقل سوءا عن الخوف الذي فروا منه.
 

 مهنة الصحافة باتت أمام منعطف هو الأخطر، والصحفي هو الشخص الذي يهتم بحياة الجميع فيما أصبح محل شك دائم كونه يرفض الرضوخ ولا يؤمن ببقاء الجرائم مقيدة ضد مجهول

حقوقيا وإنسانيا لم تعر المنظمات الدولية والمحلية أي اهتمام بحياة الصحفيين وقضيتهم، فهذه المنظمات التي تصاب بإسهال البيانات والانتقادات عند أبسط موقف مشبوه يصاب به الطرف الآخر المتمثل بالانقلابيين وإعلامهم الحربي تصم أذنيها عما تقترفه المليشيات وإن برزت بعض المواقف فتتسم بالهدوء والخجل كما حدث مؤخرا حين طالبت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إيرينا بوكوفا السماح للصحفيين بممارسة عملهم الضروري في نقل المعلومات للجمهور.
 

فيما تستمر منظمات هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وغيرها تجاهلها ولم تصدر أي بيانات عن أغلب الانتهاكات التي وصلت حد القتل لعدد من الصحفيين أو استخدامهم دروعا بشرية كما حدث في 21 مايو 2015 في ذمار مع مراسل قناة يمن شباب عبد الله قابل ومراسل سهيل يوسف العيزري مما أدى لمقتلهم، أو من خلال استهدافهم بالقنص كما حدث للصحفي أحمد الشيباني في تعز والمصور محمد اليمني الذي قتل وهو يؤدي عمله في تعز أيضا.
 

إجمالا يمكن القول إن مهنة الصحافة باتت أمام منعطف هو الأخطر وإن الصحفي هو الشخص الذي يهتم بحياة الجميع فيما تمالأت الأغلبية عليه وأصبح محل شك دائم كونه يرفض الرضوخ ولا يؤمن ببقاء الجرائم مقيدة ضد مجهول.

لذلك من وجهة نظرهم
أن تكون صحفيا هذه جريمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.