شعار قسم مدونات

لا تمجدوا أردوغان فهو رجل سياسة

Blogs - Ardoghan - Putin 2
نحب فنمجد، ونكره فنسخط، تلك شريعة الهوى، وما أضلها من شريعة!
كم كان عصيا على الكثير منا رؤية "أردوغان" وهو يصافح "بوتين" مصافحة الأحبة، وأن ينعته "بالصديق" ثلاث مرات متتاليات في غضون دقائق معدودات، ليس لأن عدو الأمس لا يجوز له أن ينقلب صديقا بين ليلة وضحاها…أبدا!

لقد نهج "أردوغان" مع إسرائيل نهج الأصدقاء الذين يتبادلون الدعوات والزيارات والمجاملات ويبرمون المعاهدات والصفقات

بل لأن تلك المصافحة وهذه المحبة، جاءت متزامنة مع وقت قصف الطائرات الروسية لمدينة "حلب الشهباء"، وفي الوقت الذي تلقي فيه طائراتها القنابل الفسفورية والعنقودية وغيرها على رؤوس أطفالها ونسائها وشيوخها، لتردي المئات بل الآلاف من الشعب السوري بين قتيل أو جريح أو تحوله إلى أشلاء مترامية هنا وهناك، في هذا الوقت العصيب يضع "أردوغان" يده في يد الأشقر "بوتين" مستبشرا به، ومعلنا قيام علاقات ثنائية متينة وقوية بين الطرفين، بل ومتعهدا بأن تكون الطائرات التركية جنبا إلى جنب مع الروسية الحليفة مستقبلا في سماء سورية، بينما كان في الأمس، والأمس القريب جدا، يندد ويشجب التدخل الروسي في سوريا ويحاربها! ويدعوها إلى الانحياز الى الشعب السوري الممزقة والمشرد، لا الى القيادة السورية الفاقدة للشرعية!

لم ينتظر الرئيس التركي حتى ينتهي من زيارة "موسكو" ويشد رحاله إلى "تل أبيب"، فطلب من فريقه التعجيل في إجراءات التطبيع مع إسرائيل اثناء تواجده في "موسكو" وقبل زيارته ل "تل أبيب"، باعتبارها قبلته الثانية بعد روسيا، والتي تقررت بناء على دعوة الرئيس الاسرائيلي له لزيارة "تل أبيب".

ولأن "تركيا تحتاج إلى إسرائيل، كما يحتاج إسرائيل لتركيا" وفقا لتصريح "أردوغان" في مؤتمر صحفي سابق له، فقد قبل الأخير الدعوى الموجة إليه وقرر زيارة "تل أبيب" في الأيام القليلة القادمة، ليختتم بذلك آخر فصول المسرحية التركية المسماة " مؤازرة الشعب الفلسطيني" ف "أردوغان" لن يعرج على ذكر القضية الفلسطينية ولو " مرور الكرام" في أي خطاب قادم له بعد اليوم، فكيف يذكرها وبأي لسان؟ بعد أن حسم أمره واتخذ إسرائيل صديقة له كما اتخذ روسيا منذ أيام، وبعد أن تركها رمادا ووكل أمرها "للرياح العاتية" لتحملها بعيدا عن تركيا إلى الله أعلم.

لقد نهج " أردوغان" مع إسرائيل نهج الأصدقاء الذين يتبادلون الدعوات والزيارات والمجاملات، ويبرمون المعاهدات والصفقات، ولكن على ما يبدو بأن "أردوغان" نسي بأنه لا يجالس "قتلة الأطفال" ولا "داعمي الإرهاب"، كما أخبرنا حين لبس لباس البطولة وزعامة في مؤتمر "دافوس".

ألم يكن هو بطل أبطاله وصاحب الموقف الشهير والكلمة الحسم فيه؟ ألا نذكر جميعا كيف هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي "رابين" كالأسد المغوار؟ ورفض الجلوس معه باعتباره واحد من القتلة الذين قتلوا أطفال فلسطين؟ انه الموقف الذي أسر قلوب العرب جميعا، فالتفوا حوله وتغنوا بشجاعته، وبالغوا في وصفه وتشبيهه ب "صلاح الدين" و "عمر بن الخطاب"، وجعلوا منه خليفة للمسلمين و زعيما للأمة، فما أبعد اليوم بيوم "دافوس" يا سيادة الرئيس!

بالأمس ترفض الجلوس مع القتلة والحديث معهم، واليوم هم أقرب الأصدقاء إليك وتسعى جاهدا لمجالستهم! أفلا يشبه وجه "بوتين" وجه "رابين" ؟ اليس بوتين قاتلا للأطفال ايضا؟ أم أن أطفال سوريا أقل منزلة من أطفال فلسطين؟ فهل اختلف عليك الأمر أم اختلفت الأوراق؟ حتما إنها الأوراق وليس الأمر، إذن فلم يكن "أطفال فلسطين القتلى" ولا "نساءها الثكلى" ولا "أرضها المغتصبة" هم من أطلقوا لسانك يومها، فهل كانت "غضبة أردوغانية" عودتنا عليها ؟ أم هي متطلبات " البروباغاندا" التي تتقنها بجداره ؟ وقدرتك الفائقة باستخدام المؤثرات الصوتية والصورة الإعلامية والخداع البصري؟ اليوم نفهمها جيدا.

ما أبعد اليوم بيوم السفينة التركية "مرمرة" يا "أردوغان"! اليوم الذي وقفت فيه وقفة مشرفة وأعلنت عن قطع العلاقات التركية الإسرائيلية، وتوجهت إلى المحكمة الدولية لمحاسبة الأخيرة عن جريمتها الشنعاء، وإصرارك على رفع الحصار عن قطاع غزة المحاصر، لتكون بهذا قد بلغت مجدك في قلوب الفلسطينيين والعرب والمسلمين، الذي باهوا فيك حكامهم وقادتهم.

لا تمجدوا "أردوغان" فـ"أردوغان" رجل سياسة لا مبادئ، ورجال السياسة لا يستحقون التمجيد أبدا، أزيحوا عنه تلك "الهالة" و"القدسية" التي البستموه إياها

حين وقف أطفال غزة الجياع ينتظرون الفتح المؤزر القادم من أرض السلاطين لتحريرهم وفك الحصار عنهم، ليستيقظوا بعد هذا الموقف البطولي والملحمي على اتفاقية مصالحة وتطبيع تركية اسرائيلية، تلتزم فيه تركيا بمد أنابيب الغاز الإسرائيلية عبر أراضيها إلى القارة الاوروبية، وشراء الغاز الإسرائيلي وبيعه في السوق الأوروبي، وتراجعها عن المطالبة بفك الحصار على قطاع غزة والاكتفاء بتوصيل المساعدات إلى القطاع، ومساندة إسرائيل على الانضمام وفتح مكاتب في المؤسسات الدولية كلف الناتو؛ والتعهد لإسرائيل بمنع أية عمليات من قبل حماس ضد إسرائيل عبر اراضيها، وإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، وتنازل تركيا عن القضايا المرفوعة ضد الجنود الإسرائيليين في محكمة اسطنبول عن جرائمهم تجاه سفينة مرمرة، مقابل دفع اسرائيل 20 مليون دولار تعويضا لذوي ضحايا القتلى والجرحى الاتراك.

"الحبل لا يزال على الجرار" فالممكنات وحدود التغيير في السياسة التركية الخارجية لا تزل في بدايتها بعد، انها تسير سريعا حتى تطال ملفات خارجية كثيرة اخرى، قد يكون بعضها غير متوقع أبدا، فهل يحتمل أن نشهد في الأشهر القادمة مصالحة "أردوغانية سيسية"؟ ولما لا ولما الاستهجان ! فإن كان "بوتين" قد تحول من عدو إلى صديق حميم في ليلة وضحاها! واذا تحول "روفين ريفلين" من قاتل أطفال إلى حليف مرحب به! اذن فليس غريبا أن يتحول "السيسي" من "انقلابي" إلى "زعيم شرعي" وصديق بين ليلة وضحاها، وفقا ل"الشريعة الاردوغانية" فقد عودنا أردوغان طوال مسيرته السياسية بأنه "رجل خير"، وفقا للمقولة المعروفة " الخير بقول وبغير"، وما أكثر أقواله التي تتغير مع تغير مصالحه، ولذى استحضرني الآن عبارة من المسرحية الرائعة " ريا وسكينة"، على لسان "سكينة" وهي الممثلة "سهير البابلي" لأختها "ريا" تقول فيها :"يعني الي جرى على حسب الله يجرى على عبع الله؟"

إنه سؤال منطقي حقا لهذا الموضع، هل يمكن لل "سيسي" أن يكون يوما صديقا ل " أردوغان"؟ بالطبع يمكن، فلا أعتقد بأنه عاد ل "أردوغان" ذريعة حقيقية يتذرع بها بعد سلسلة التنازلات التي قدمها في روسيا واسرائيل، ولا أعتقد بأن يد الرئيس الاسرائيلي "رافين" أكثر طهارة من يد " السيسي" حتى ترحب بمصافحة هذا وترفض الآخر! ولا أعتقد بأنه من المنطق أن تهاجم "السيسي" لأنه ليس رئيسا شرعيا للبلاد، بينما تصادق الرئيس الاسرائيلي باعتباره رئيسا شرعيا لدولة فلسطين!

لا تمجدوا " أردوغان" فأردوغان رجل سياسة لا مبادئ، ورجال السياسة لا يستحقون التمجيد أبدا، أزيحوا عنه تلك "الهالة" و "القدسية" التي البستموه إياها فما هو إلا كغيره "يزيد وينقص" ولكن لا يصل " منزلة العليين"، ف "أردوغان" ليس "زعيم العرب والمسلمين" كما تسبغوا عليه أو تحبوا أن تسبغوا عليه؛ بل هو زعيم تركيا فقط، ذلك لأنه عندما اختلطت أوراقه عليه؛ اختار بلا تردد الصالح التركي تاركا وراءه "الأيتام" و "الأرامل" و "القتلى" و "المهجرين" يتولاهم الله، ولم يختار لا صالح الأمة الاسلامية ولا العربية ولم ينحاز على الأقل إلى الضمير.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان