شعار قسم مدونات

غربة وقهوة باردة

blo - coffee

غربة تنهشنا فيها الآهات مع كل نبضة وظروف تحمل في طياتها لوعة الفراق والبعد وفقد الحياة في الحياة.
 

أعيش في عالم حالك السواد أبحث فيه عن نجمة واحدة يستضيء بها قلبي المعتم.

أعيش بين وسائد مُعدة للبكاء والتَأَوُّه لتحتضن تلك القنبلة الموقوتة القابعة في رأسي وتتحمل انفجاراته.
 

أتذكر موضع الغزل الأول .. جمال وجنتها النرجسية الوردية وقد اتقدت فيها نار الشغف

اعتدت على كوب من مواساة النفس. كوب من القهوة الباردة ليلاً..
باردة !
أستعيد بحبٍ بائس أمنيات تلك الطفلة التي باتت أمنياتها الآن تجاعيد على وجهها طحنتها مأساة الزمن فتاتا وجعلت منها لحما طريا باقية كعلامة في هيئتها إثباتا لذاتها أنها عانت ماعانته في طريق المحاولة..أنها كانت ذات يوم وأرادت ولكن هيهات.

 

أتذكر موضع الغزل الأول..
جمال وجنتها النرجسية الوردية وقد اتقدت فيها نار الشغف..

وكأنما كانت النار بردا وسلاما حتى انطفأت رويدا رويدا وانطفأ معها أسمى معاني الجمال.
فتاة شقية جدا..

وراء المسافات التي قطعتها على أحجار هذا الكوكب نالت قدماها الصغيرتان الكثير..هذه الطبقة الترابية أسفلهما باتت كبصمة تخبر العالم أنها مرَت وتركت أثر سعيها بأن لاتبرح حتى تبلغ..
 

تبلغ رغيف حلم..تبلغ مجدها ! بعد أن لعقت الصَـبِرَا لتكون!
ولكن الظلم بلغ مجده في يومنا هذا و رماك في المنفى.
أشعر بك ياطفلتي حتى هذه اللحظة..تفاصيلك لا حصر لها في مخيلتي.
 

لاأنسى المجرات السماوية بوسعها وعظمتها وبهائها في عينيك اللامعتين.. كم أسعد بضحكة العيون وهي ترمق هدفها من بعيد تآمل بالوصول..وتزهر تلك الابتسامة ياسمينا دمشقيا و شقائق نعمان على شفتيك.
 

تكبر ابتسامتك معك في أيامك وسنواتك حتى علاها توليبا ملونا ياقتاه
بساطة طفولية مفرطة تخللت الجفون واستقرت يا مدللتي!
أحسبت أن الحياة ستأتيك بأحلامك مكللة بغزل البنات الذي تحبيه!
لتختفي اليوم نظرتك السماوية الساحرة بعد أن أغرقتها المواجع وغطى بريقها الركام وماتحته من أشلاء و ألم!
ابتسامتك باتت سجينة بأيدي الطغاة والظلام.
 

جاءتك أمور محملة بصفعة انقض فيها قلبك وما حوى
أعلم خدرتك تلك الصفعة..همشتك و ما سعيت له
شاحب لون الحياة..يبدو تماما هكذا في مرآتك..حبات دموعك الساقطة رغما عنك تشهد ياحبيبة.
 

كم رغبت باستعادة قيمك ومبادئك الملونة المتشكلة في قوس قزح يغطي هذا الفضاء الكبير بحب..
تلك التي هزمتها لغة الدماء وشتتها العنف والكراهية..دخان الحرب وصخبه..أصابها بلون الموت.
بائس ياطفلتي ذلك الشعور الذي يقتل الجميلُ في قلوبنا قبل ان يرى النور.
 

ألهذه الدرجة الـموت يعـشقنا !
ويـرفض ان يـغادرنا قبـل ان يحـطم رقـمًا قيـاسيًا في هدم مناكب أرواحنا وسرقة الأنفاس منا!
أليس ما لا نختارهُ بمحض إرادتنا لا يجب ان نُحاسب عليه!
 

في حضرة الموت ما عاد الكلام يجدي نفعاً.. الحزن وكل كلمات المواساة تقف وتفنى

ﻋﺰﺍﺋﻲ ياطفلتي..ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻋﺰﺍﺀ في موتي..طيفك وحُسنك..ﺗﻘﺎﺳﻴﻢ ﻭﺟﻬﻚ الصفيرة..ﺑﺴﻤﺔ ﺛﻐﺮﻙ..وقلبك اليوسفي بجماله..
وكم أتعبك قلبك المتوهج بالحياة!
عندما غلب عليه الحزن فكان الحزن أكبر منه..وأثقله.
أنصت! سلم موسيقي!
في مسمعي بحة صوتك وحشرجته..
صدى كلماتك ياصغيرة يصعد السلم الموسيقي ويهبط سريعا .
 

كيف اغتالوا حروفك الطاهرة ياحبيبتي؟!
كيف جاروا على تفاصيل ملامحك القَمرية؟
اعتذر لكِ بعد فوات الأوان..في حضرة الموت ما عاد الكلام يجدي نفعاً..الحزن وكل كلمات المواساة تقف وتفنى.
 

رغم كل مخاض الحياة..وما اعتصر بك من حَزَن..الهشاشة التي بداخلك..
أحبك جدا جدا..أقدرك إلى ماوراء الأبد وكل خطوة في سبيل بحثك عن أناك في عالمنا المنطفئ..
على الوعد سنلتقي ليلا في كوب قهوة باردة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.