شعار قسم مدونات

نصف امرأة ونصف رجل!

Blogرومانسية

أذكر بأنّ أولى كتاباتي كانت تدول حول الحُب رغم أن رجلاً لم يَطرق باب قلبي، أو أننّي كُنت وقتها ما زلت في مراحل بنائه لذا لم يُعره أحد اهتمام. أظن أنّ القراءة المُستمرة في روايات أحلام مستغانمي وأثير عبد لله النشمي، قد جعلت منحنى الكتابة يتّخذ شكل الحُب!

مرّت الأيام بل السنين حتّى تمّ بناء باب قلبي وطُرق لأول مرّة، زارني ضيف على غير العادة في وقت ليس متوقع، لكنّني استقبلته، مذ رأيته شعرت بالرعشة تسري في جسدي، شعرت بأنّ أطرافي تنمّلت، معدتي كانت تؤلمني بشكل غريب، قلبي ينبض بشدة،وعيناي تُضيئان،بلا سبب،لم أجد أي تفسير لكُل شعور أنجبه قلبي سوى أنّ مراسم الحُب قد أعلنت،وبات لزاماً أن أحضّر له.

قلبي ينبض بشدة، وعيناي تُضيئان بلا سبب، لم أجد أي تفسير لكُل شعور أنجبه قلبي سوى أنّ مراسم الحُب قد أعلنت، وبات لزاماً أن أحضّر له 

أحببت رجلاً -أو كما ظننت ذلك- تخيلته دوماً الروح الّتي ستلفني دفئاً وأمنا، عنترة لعبلة أو قيس ليلى، أحببته كثيراً، أعطيته من روحي الكثير، كتبت له القصائد المغنّاة، الأشعار والروايات، حدّثت عنه الصباح، ياسمين نافذتي، العصافير على سور جارتنا، وحدثت عنّه الله في كُل سجدة كُنت أقترب بها نحوه.

تحتّم علي كوني "أنثى واقعة بالحب" أن أمثّل الدور بكُل حرفيّة، أهتم، أخاف، أبكي، أضحي، أخلص، أتحلّى بالصبر، وغالباً ما كنت أصاب بمتلازمة العاطفة المفرطة، أتقنت الدّور جيداً، لكن حدث ما حدث وقتها حتّى تغيّر الكثير.

الربيع كان لا يزورنا سوى ساعات، حلّ الشتاء مُبكراً، الياسمين ذبل من على نافذتي وحتّى جارنا أخذ عصافيره ورحل!.

كان حبّي بنظره وكأنّه خطيئة قد ارتكبت في كنيسة يوم عيد القديسيّن، شوّه ملامح الحُب وتحطّمت تخيلاتي، رحل دون وداع أذكر منه فقط نظرة واحدة إلى الآن لم أجد لها تفسيراً، ما بقي لي منه سوى حنين، إشتياق وذكريات تحرق الدّمع بعيني.

استمررت على هذه الحال قرابة شهرين، كان دوماً اليأس يتلحّفني، الغصة تبقى عالقة في حُنجرتي حتّى ذهب صوتي، ألم قَلبي يُوقظني من شدّته وكأنه جلّاد في حضرته مُذنبة!.

شعرت بأنّ جزءاً من قلبي قد مات وبأنّ كل المشاعر المليئة بالفرح والشغف قد أصبحت رماداُ لا تُعرف من بعضها، وقف بجنبي الأصدقاء، أستخدموا أقسى الكلمات لكنّ قلبي كان عنيداً، انهمكت بالكتابة وكأنها كانت لي مخرج بعد حريق كبير!

كان حبّي بنظره وكأنّه خطيئة قد ارتكبت في كنيسة يوم عيد القديسيّن، شوّه ملامح الحُب، وتحطّمت تخيلاتي، رحل دون وداع، أذكر منه فقط نظرة

كانت الساعة الخامسة فجراً لم أستيقظ وقتها على ألم قلبي، استيقظت على نداء الأذان، لملمت بقايا الكحل الممزوج بالدمع على وسادتي، توضأت، مع كل قطرة ماء شعرت وكأنما ذنباً سقط، توجّهت بقبلتي نحو الله، تحدّثت معه كثيراً وبكيث أكثر، قُلت كلمات لم أفهمها لكن كان ملئ قلبي يقين بأنّ الله كان يعلمها قبل أن أقولها، يفهمها ويحتويها، وضعت رأسي على وسادتي، روحي كانت مُرتاحة وكأنها طفل خائف في حُضن أمّه.

لا أعلم من أتيت بكُل هذه القوّة، كيف أصبحت نظرتي قاسية وكيف شفيت من متلازمة العاطفة المفرطة!

لملمت شتاتي وأصلحت جزءاً من ذاتي وبنيت آخر، انهمكت في أعمالي وأصبحت كما تُريد نفسي، تحرّرت من أسري، وعزمت بأن أكون الرّبيع وأُزهر أيامي .

أمّا عنه حتّى إنه أيام مرّ من أيامي ولم تهتز فيني شعرةَ واحدة، مشاعري نحوه ماتت، بينما هو لكم حاول العودة وفي كل مرّة كان يجد باب قلبي موصداً ونظراته فيها الكثير من الحسرة والندم، أظن أنّنا قد تبادلنا الأدوار أصبحت أنا المتبلدّة، المُستهزئة بحب امرأة وجرعات اهتمامها.

أصبحت أحتسي كوب قهوتي وأنفث دخان سيجارتي بفرح على بقايا الذكريات، أيقنتُ وقتها بأنّ المرأة تمرّ عليها لحظات ومواقف تجعل منها نصف امرأة ونصف رجل!

من على كُرسي الهزّار، بجانبي كوب قهوتي وقُبالتي البدر يُغازنهُ النجوم، أقدم كامل امتناني لنداء الفَجر الّذي كان خيط أمل ونجاة غريق!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.