شعار قسم مدونات

إنه ببساطة يحبني

blog حب

– اشتريت لكِ معطفا بماركة فرنسية وطراز كلاسيكي.. سيعجبك بالتأكيد، ولونه رائع أيضا.. لن أخبرك به وسأدعك تحاولين تخمينه حتى أحضره لك.. سيعجبك بالتأكيد.
– ما قياسه؟ 
– لا أعرف، ولكنني بالنظر إليه معلقا تأكدت من أنه سيلائمك.
 

أضحك في داخلي.. كيف يمكن لشخص أن يعرفك لهذه الدرجة؟
إذا كنت لا أستطيع أن أشتري لنفسي قطعة لباس أو حذاء دون قياسه، ولا أكون متأكدة من ملاءمته لي بالنظر إليه بالعين المجردة، فكيف يستطيع هو أن يفعل؟ 
أنا متأكدة من أن القياس صحيح كالعادة، فليست هذه هي المرة الأولى التي يشتري لي أو للأولاد ثيابا أو أحذية وهو بعيد عنا، ويكون قياسها مثاليا.. أنا واثقة من ذوقك، ومتأكدة من أنه سيعجبني.
 

سيعجبني بالتأكيد، فلم يسبق له أن أهداني هدية ولم أقع في غرامها إلا ما ندر، فذوقه لا يعلى عليه، وأحمد الله أن رزق كلينا حسن الذوق وأورثه لأولادنا.
 

يحدث دائما عندما أذهب إلى العمل لابسة قطعة مهداة من زوجي، وتسألني إحدى زميلاتي عن مكان شرائها، أن أرى الحسد في عيونها بعدما أخبرها بأنها هدية من زوجي، خاصة أن بعضهن لا يتلقين هدايا من أزواجهن إلا في مناسبات معدودة، أو أنهن يتلقين هدايا لا تروقهن. 

إحداهن أخبرتني مرة بأنها اشترطت على زوجها أن يعطيها قيمة الهدية نقدا، لعدم ثقتها في ذوقه مطلقا.. جاملتها وقلت لها بأن هذا هو الحل الأمثل، ولكنني صراحة لا أعتبر المبالغ النقدية بديلا عن الهدايا بأي حال من الأحوال.. أصبحت أتحرج من الإجابة عن أسئلتهن بأنها هدية من زوجي كل مرة. 
 

صديقه الطبيب، ولأنه يحب التجول في الأسواق مثله، يحاول أن يضفي عليه صبغة رياضية: رياضة المشي، كلاهما يعرف أن المشي الصحي مخالف للتجول في الأسواق، ولكن لا بأس بذلك ما دام الجميع سعداء

عمل زوجي متعب ودوامه طويل، وقد يضطر للعمل في يوم إجازته الأسبوعية الوحيد، وأحيانا يكون عمله بعيدا عنا في مدينة أخرى.
عندما يتصل بي وأخبره بأني لم أداوم ذلك اليوم بسبب مرض أو لمجرد تعب، أو لإحساسي بالحاجة إلى الراحة، يسألني: لم تذهبي إلى العمل هذا اليوم؟ 
أجيبه: يكفي ما تقدمه أنت من تضحيات للوطن، لن يطلب من كلينا أن نضحي من أجله، فأنت تنوب عني، وعلى أحدنا أن يرتاح قليلا ويتكاسل من وقت لآخر. يصلني صوت ضحكاته عبر الهاتف، وصوته وهو يقول: تكاسلي براحتك.. هنيئا لك.
 

يقضي عطلته الأسبوعية متنقلا بين الأسواق والمحلات، عندما يكون في عمل خارج المدينة.
أمازحه قائلة: تشتاق إلينا، وتتحايل على اشتياقك بشراء الهدايا لنا.
 

يكاد يكون الرجل الوحيد الذي يحب فعلا التجول في الأسواق كيفما كان نوعها، خاصة منها الأسواق الشعبية التي غالبا ما تخفي كنوزا لمحبي التسوق.
 

صديقه الطبيب، ولأنه يحب التجول في الأسواق مثله، يحاول أن يضفي عليه صبغة رياضية: رياضة المشي، كلاهما يعرف أن المشي الصحي مخالف للتجول في الأسواق، ولكن لا بأس بذلك ما دام الجميع سعداء.
 

يصل بعد ساعات من السفر، وكالعادة لا أستطيع إقناعه بأن يرتاح ويؤجل تقديم الهدايا، قبل أن يستحم أو يغير ملابسه.. يبدأ بإخراج الهدايا المصفوفة في حقائبه بعشوائية: هذه لي، هذا غرض اشتراه للبيت، هذا الجهاز له، هذا لابننا، هاتان الهديتان المتشابهتان للبنتين، وهكذا حتى يخرج جميع الهدايا من حقائبه.. تمتلئ الغرفة بأوراق الهدايا والعلب الفارغة والأكياس البلاستيكية.
 
يجهل الرجال بأن التجول في الأسواق مع شريكات حياتهن يمكن أن يكون موعدا غراميا بامتياز.
أمنع نفسي من أن ألمح إلى تبذيره وإسرافه عندما أرى الفرح في عيونه، لأن الهدايا أعجبتنا أضعاف الفرح في عيوننا.. أمتنع عن التعليق أيضا لأنني أعرف جوابه مسبقا: هل تريدينني أن أصبح مثل السيد حسن؟
 
كان السيد حسن زميلا سابقا لي في العمل، ولحد الآن لم أقابل شخصا أبخل منه، وكنت أخبر زوجي عن بخله على نفسه وعائلته، وأروي له نوادره في البخل والتقتير، وما زال يحلو لزوجي تذكره كلما ألمحت إلى عدم عقلانيته في الإنفاق.

أصر صديقي مرة على أنه لا رجل في العالم يحب التسوق، وعندما أخبرته بأن زوجي مستثنى من هذه القاعدة، وأنه يحب التجول في الأسواق لوحده أو معي، وهو من يصر على زيارة جميع الأسواق في المدن التي نزورها، قال بأن زوجي يجاملني فقط.. يجهل الرجال أن التجول في الأسواق مع شريكات حياتهن يمكن أن يكون موعدا غراميا بامتياز: نقف أنا وزوجي أمام هذه القطعة الأثرية التي أعجبت كلينا، ونبدأ في تصور مكانها داخل بيتنا، نختلف عن الركن الذي نضعها فيه ونحن لم نشترِها بعد.
 

يصر كلانا على أن يشتري الآخر المعطف الجلدي الذي أعجبه، ما دامت ميزانية السفر لا تمكننا من شراء الاثنين، وفي الأخير وبعد أخذ ورد، ومحاولات مستميتة من الطرفين لإقناع الآخر بالشراء، وأن المعطف الذي رآه كلانا لم يعجبنا بدرجة كبيرة، نقرر أن لا نشتري أيا من المعطفين، ونغادر المحل تحت أنظار الخيبة من البائع.
 

عندما نسافر وحيدين، ونجد فجأة أمامنا لعبة نكون متأكدين من أنها ستعجب ابنتنا الصغيرة، يغمر كلانا الحب والحنين، نرى أشياء كثيرة تذكرنا بذكريات كنا على وشك نسيانها..

الروائح والموسيقى في الأسواق متعة من نوع آخر، إنها تجعلنا تارة نسرح، وتارة نعبس، وأحيانا نستغرق في ضحك لا يفهم مغزاه غيرنا.
 

يتعمد زوجي الوقوف طويلا في رواق الإكسسوارات، يأخذ القطع في يده ويريني إياها، يعرف إذا كان لدي ما يشبهها أو لا، وقبل أن أختار ما أريده منها يكون قد سبقني ليقترح علي نفس القطع.. لا يا صديقي إن زوجي لا يجاملني..
إنه ببساطة يحبني..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.