شعار قسم مدونات

أزمة الفن في عصر العلم

blog فن 1
 

الفن هو ذلك الشيء المميز الذي ترى فيه نوعا من الإبداع والتألق و"الخلق"، هوذلك الشيء الذي تستحسنه الحواس وترى فيه نوعا من الحياة، شيء يجعل الذات تعيش مع "كيانها" و"جوهرها" لحظات من "الاستمتاع " بروعة وجمال "الفن".
 

هو شيء كما الحب لا يمكنك أن تقف على حد له، لكن لا يختلف اثنان على أنه شيء جميل به تنمو الذات وتحرر من أشياء كثيرة. غير أن السؤال المطروح هنا عن طبيعة هذا الفن، كيف يجب أن يكون، هل الفنان ملزم أن يكون أكثر قربا من المجتمع يحتك بقضاياه ويعالج أمراضه، وما هو وضع الفن في عصر العلم، هل ما زال في الفن حياة، هل ما زال بمثابة غذاء الروح؟

يمكننا أن نتفق على مبدأ أساسي وهوأن الفن يحمل في طياته رسائل تنبه المتلقي لشيء ما أو لخطر معين

قديما في أزمنة غابرة احتاج الإنسان البدائي إلى شيء من الأدوات الرمزية ليتمكن من تفسير الظواهر والتواصل بينه وبين الآخر وبينه وبين العالم من خلال عالم المسميات. لقد احتاج أن يكتشف شيئا يرمز إلى الشجرة ليقول بأن هذا الشيء شجرة وليس شيئا آخر.

فاكتشف أداة تواصلية مهمة وذكية جدا، إنها الرسم، وهذا الأخير أهم ميزاته أنه في حياة أي قصة يرويها الرسام للناظرين ويتفنن في إيصالها باستخدام الألوان والأشكال والخطوط والأدوات فتكون لوحة فنية تسر الناظر وتبعث فيه نوعا من الرضى والذهول من القدرة الإنسانية العجيبة على الابتكار والإبداع.
 

ذلك أننا اليوم يمكننا أن نفهم ما جرى في السنوات القديمة التي مثلت الظهور الأول للإنسان على وجه الأرض من حروب ومحاكاة للواقع، ماذا كان يجري في الحياة اليومية للإنسان البدائي حيت تمكن الدارسون وعلماء الآثار من اكتشاف خبايا تلك الأحقاب، كما أننا رأينا في العصر الإغريقي القديم على سبيل المثال ملاحم شعرية وغنائية كانت تنقد الواقع وتحاول أن تنشر قيما نبيلة بين الناس كالتسامح والأخوة والتغني بالأوطان والدعوة للمشاركة في الحرب لدفع العدو وصون حرمة القبيلة أوالعشيرة.
 

يمكننا إذا أن نتفق على مبدأ أساسي وهو أن الفن يحمل في طياته رسائل تنبه المتلقي لشيء ما أو لخطر معين أو ضرورة سلوك طريق ما..
 

كيف يمكن لفن الشخبط لخابيط أن ينتج جيلا مثقفا قادرا على قيادة مستقبل الأمة ويتحمل مسؤوليات في شتى مجالات حياته

فهل أصبح الفن في عصر العلم والتكنولوجيا محافظا على مبدأ الإفادة أم أنه ركب موجة أخرى؛ موجة "التهريج"؟

يقول نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب في رواية الشحاذ "لم يبق في عصرنا اليوم من الفن سوى فن التهريج والسرك". وأنا أعتقد أن هذا الكلام يتفق كليا مع الواقع الذي نعيشه اليوم، ذلك أن هذا الكم الهائل من الأفلام والمسلسلات ومقاطع السينما أصبحت لا تعالج قضايا الواقع بقدر ما أصبحت تبحث عن "المادة" بأي وسيلة كانت حتى فسد الذوق وانحراف انحرافا خطيرا هدم المبادئ السمحة العفيفة.
 

فهذا "فنان" يتغنى عن الزطلة والمخدرات والمسكرات وآخر يشتم أعوان الأمن ورجال البوليس الذي يساهم في الاحتقان وتأسيس علاقة عمودية بين المواطن والسلطة حتي يدخل المجتمع في فوضى وانحلال وتفقد الدولة انسجامها وتماسكها. بيد أن البعض من الناشئة يرون أمثال هؤلاء الفنانين زعماء وقادة يحاولون أن يكونوا كما هم، لذا لا غرابة أن تجد تلميذا في الابتدائي يحفظ الكلمات ويردد الأغاني الفوضوية بدل تلك التي تربي على حب الوطن أو على العلم أونشر قيم التصالح والتسامح.
 

كيف يمكن لفن الشخبط لخابيط أن ينتج جيلا مثقفا قادرا على قيادة مستقبل الأمة ويتحمل مسؤوليات في شتى مجالات حياته. ولعل من بين أسباب التأخر العلمي والثقافي في العالم العربي خاصة الأزمة الثقافية الحادة نتيجة غياب الفن "النموذج" الذي يدفع الى ما هوخير يفيد الإنسان ويرتقي به.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.