شعار قسم مدونات

موروني.. الجنة المنسية

blogs - moroni
 
الوفد يضم عدداً قليلاً من المسؤولين ورجال الأعمال والصحفيين العرب، يزورن جزر القمر، ضمن لجنة لدعم وإطلاق مشاريع تنموية في هذه الدولة التي ترقد بعيداً شرق أفريقيا ووسط المحيط الهندي.

وصلنا ليلاً، واستقبلنا السكان بأهازيج ورقصات شعبية تؤديها فرق تراثية، وكان كل الوزراء والرئيس نفسه في مقدمة المستقبلين، تعبيرا عن حفاوتهم بنا، أو ربما لقلة الوفود الرسمية التي تأتي هنا.

أغلب ما يفتتحه المسؤولون العرب هنا من مشاريع يصفونها "بالتنموية" هو في الواقع حنفية مياه

موروني العاصمة المظلمة ليلاً، كانت مختلفة تماماً في الصباح، جبال تكسوها الخضرة، وشاطئ صخري أخاذ تحفه أشجار النخيل الاستوائية، كأنه مشهد من إعلان تسويقي لإحدى الجزر السياحية الخلابة في البحر الكاريبي.

تعاني جزر القمر اقتصادياً، وتصنف بين أفقر الدول في العالم، رغم موقعها الجغرافي المتميز وخصوبة تربتها البركانية، كما يعيش نصف سكانها، الذين يقل عددهم عن المليون، تحت خط الفقر، ويكفي أن تعرف أن المبلغ الإجمالي للموازنة السنوية العامة يقل عن نصف المبلغ الذي دفعه مانشستر يونايتد مقابل اللاعب بوغبا!

تذكرت الفرحة التي رأيتها في وجوه القمريين وهم يصافحون المسؤولين العرب، والحفاوة التي استقبلوهم بها رغم ضيق ذات اليد، عندما قرأت مقالة لكاتب عربي مشهور تنضح تعالياً وتكبراً، ويدعي فيها أن هذه الدولة ودولا أخرى انضمت للجامعة العربية طمعاً في نفط العرب وأموالهم.

وهو لا يدري أن مجموع الشركات العربية التي استثمرت في هذا البلد الزاخر بالفرص لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأن أغلب ما يفتتحه المسؤولون هنا من مشاريع يصفونها "بالتنموية" هو في الواقع حنفية مياه، أو بئر حفرت بمبلغ زهيد اقتطعه ورثة من أموال والدهم المليونير الذي ترك عقارات وشركات لا تحصى في لندن وسان فرانسيسكو.

لو أن العرب استثمروا خمس ما ينفقونه في رحلاتهم السياحية على مشاريع زراعية في السودان أو جزر القمر لحققوا الاكتفاء الغذائي

المستثمر العربي تعميه غشاوة المال والبهرجة في بلدان أوروبا وبورصات أميركا عن الفرص الكبيرة التي تركها خلفه في بلدان عربية قريبة، توفر امتيازات استثمارية وأرباحاً مضمونة، كما أنها على الصعيد الإستراتيجي تمثل مخزوناً وامتداداً جغرافياً للمنطقة العربية؛ ففي جزر القمر تعامل الدولة المستثمر العربي كمواطن، وتذلل له الصعاب ليبدأ مشروعاً في هذه البلد البكر، التي بدأت تغزوها الشركات الصينية والفرنسية والإيرانية.

لو أن العرب استثمروا خمس ما ينفقونه خلال الصيف في رحلاتهم السياحية على مشاريع زراعية في السودان أو جزر القمر لحققوا الاكتفاء الغذائي في أغلب المنتجات الزراعية، وقليل من المال يمكن أن يحول جزيرة أنجوان إلى وجهة سياحية جاذبة تنافس المالديف ومورشيوس.

يغشى الظلام موروني قبل مغيب الشمس، فجبل كارثالا العملاق يعترض أشعتها، كما يصنف من بين البراكين النشطة القليلة في العالم، ويثور كل 11 عاماً مخلفاً دماراً وضحايا بين السكان، وكأن الفقر وظلم ذوي القربى لا يكفيان لإكمال صورة البؤس التي يعاني منها هذا البلد المنسي.

undefined

undefined

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان