صحيح أن عمليات "داعش" وصلت ألمانيا، ولكن الذي يعيش في هذه البلاد، وفي شرقها تحديداً فإنه يعرف أن داعش لا تصل هناك، وإن كان يوجد إرهاب حقيقي في ألمانيا فهو "إرهاب النازية" الذي لم ينته حتى اليوم، بل ويتصاعد في الآونة الأخيرة بشكل مُقلق، سواء سمعنا عنه أو لم نسمع، فنحن أساساً لم نسمع عن حركة "كو كلوكس كلان" الأميركية الإرهابية التي احتفلت قبل أيام قليلة بعيد ميلادها الـ150، وتتفنن في إرهابها تجاه كل إنسان غير أبيض، تماماً كما أننا لا زلنا لا نعي حقيقة المنظمات الإرهابية اليهودية في الضفّة الغربيّة مثل حركة "التلاليون"، أو "الجفعونيم" كما تُسمى بالعبرية، والتي تُصنّف بأنها منظمات إرهابية، حتى بحسب المخابرات الإسرائيلية نفسها.
بحسب الإحصائيات الألمانية فإن عدد ضحايا الإرهاب اليميني في ألمانيا بلغ منذ عام 2000 نحو 175 قتيلا |
قبل أيام قليلة فقط، قامت خليّة إرهابية "ألمانية" متطرفة بالهُجوم على منزل للاجئين مع الساعة الثالثة فجراً في مُحاولة لإضرام النيران فيه وإثارة الرُعب في قلوب اللاجئين، وهي ليست الأولى؛ فمنذ يناير 2015، وبحسب منظمات حقوقية، كان هناك سبعمئة اعتداء على منازل ومساكن خاصّة باللاجئين أو طالبي لجوء، تسعون منها كانت عبارة عن عمليّة "حرق متعمد"، وبلغ عدد المُصابين في هذه الاعتداءات 215 لاجئا، وهذا كُله تجاه "لاجئين" فروا من الظلم في بلادهم ليجدوا أنفسهم تحت تهديد الإرهاب النازي، وبالطبع فإن الخلايا الإرهابية التي تستقي أفكارها من حركات وتنظيمات مثل "إن أس أو" و "إن بي دي" و"دي ريشتي" وغيرها من التنظيمات الإرهابية في ألمانيا لا تستهدف اللاجئين فقط، فكل "أجنبي" يُمكن أن يكون ضحيّة لإرهابها، وبحسب الإحصائيات فإن عدد ضحايا الإرهاب النازي في ألمانيا بلغ منذ عام 2000 نحو 175 قتيلا.
في فيلم "الآريون" للمخرجة "مو آسمونج" الألمانية الأفريقية، التي عانت كثيراً بسبب بشرتها السوداء، حتى لم تعد تحتمل بعد أن وصلتها تهديدات بالقتل، وقررت أن تخرج في رحلة داخل ألمانيا ثم إيران وأخيراً أميركا؛ كي تكتشف حقيقة الجنس الآري والعنصريين، ولكن الذي عاشته في الولايات المتحدة الأميركية لا يُمكن أن تنساه في حياتها، فقد وجدت نفسها بين جماعات تستعد لحرب العناصر القادمة بكل حزم ودُون خوف من الحكومة الأميركية -التي صدّعت رؤوسنا بالإرهاب الإسلامي- كما التقت عناصر جماعة "كو كلوكس كلان" التي تُحارب السود بكل ما لديها من قوّة، وبلغ عدد ضحاياهم 3450 على أقل تقدير، ولست أريد الخوض في تفاصيلها، لكنني أنصح كل ما لا يروق له الكلام أن يُشاهد فيلم "الآريون"، وإن أراد المزيد فلا بُد له من وثائقي "الإرهاب الأبيض" للمخرج السويسري دانييل شفايتسر، فهو من أفضل ما رأيت.
وكي لا نبتعد كثيراً، ولأننا نسمع عن الإرهاب الإسرائيلي كثيراً، فإن النُكتة أن المُخابرات الإسرائيلية نفسها فيها قسم خاص للإرهاب اليهودي، وأبرز مثال عليها حرق عائلة الدوابشة، التي نكتفي بتنديدها دُون الغوص في تفاصيلها، ولو غُصنا لاكتشفنا أن هناك منظمات إرهابية تُخطط لعمليات هكذا، وهي جماعات يهودية تتخذ جبال الضفّة الغربية مساكن لها، وأشهرها جماعة "التلاليون" أو "جفعونيم"، التي يُزعم أن المُخابرات الإسرائيلية لا تقوى عليهم، وهم يسعون إلى تطهير أرض إسرائيل من كُل "الكفّار" أو "الأغراب" كما يُسمونهم هم، وهو ما يبررون من خلاله عملياتهم الإرهابية تجاه الفلسطينيين، وهم يؤمنون بثقة أن حرق الفلسطينيين وحرق منازلهم وممتلكاتهم يزيدهم من "إلوهيم" قُرباً.
جماعة "التلاليون" أو "جفعونيم" تسعى إلى تطهير أرض إسرائيل من كل "الكفّار" أو "الأغراب" كما يسمونهم |
والحقيقة أن هؤلاء يستهدفون كذلك كل من يتعاطف مع الفلسطينيين حتى من اليسار الإسرائيلي ويُعاملونهم كخونة ويُبررون قتلهم والتنكيل بهم، ولعل أعجب ما سمعته منهم يوم شاهدت تقريراً للصحفي الإسرائيلي داني كاشمارو الذي كان يبحث أفكارهم فوجه سؤالاً لفتاة من تلك الجماعة حول سبب قطعهم أشجار الزيتون؟ فأجابته بكل صراحة: إذا كان الزيتون يدل على وجود العرب، فلا يجب أن يكون هنا زيتون!
ختاماً، لست أبرر من خلال هذه الكلمات أي عمليّة إرهابية سواء لداعش أو غيرها، ولكن يُثيرني ويُدهشني لماذا لا زالت تحظى عمليات "داعش" بالتغطية الإعلامية الأبرز، كما يُثيرني الأميركي والأوروبي الذي يرى أن الإسلام أصل الشر، وهو يعلم في قرارة نفسه أن هناك من بين أبناء بلاده من لا لغة له إلا لغة الإرهاب، ولكن الأهم من كل هذا أنني أكتب كي أؤكد لي ولكم أن الإرهاب لا دين له.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.