بعد سنوات قليلة من المرجح إذا استمر الحال كما هو عليه الآن سيتم استبدال عبارة تشمع في الكبد بسبب المشروبات الكحولية (الخمر) إلى تشمع في الدماغ بسبب المخدرات الإلكترونية، وليس بالمستحيل أن ينقرض الكوكايين والهيروين تماشيا مع التكنولوجيا الحديثة.
حيث أصبحت رحلة النشوة مع الموسيقى البديل للمخدرات والمشروبات الكحولية، من خلال انتشار مواقع إلكترونية تروج لمجموعة من المقاطع الموسيقية تحدث تأثيرا مماثلا لتأثير المخدرات الحقيقية.
في البداية يتم تقديم عينة مجانية للتأكد من فعالية هذه المخدرات الإلكترونية، وبعدها تنشط، وغالبا ما توقع الزائر في فخ الإدمان ومن ثم استنزاف أمواله |
تسمى هذه المقاطع الصوتية بـ "عيش الجو-حلق في السماء-الطيور المهاجرة"، وتقوم المخدرات الرقمية التي تتغلغل إلى الأذنين على شكل نغمات موسيقية صاخبة، لتصل من بعد إلى الدماغ وتؤثر على ذبذباته الطبيعية، وتُدخل مستمعيها إلى عالم آخر من الاسترخاء والنشوة التي تسبب زيادتها إلى تلف بدماغ المستمع.
وتنشط هذه المخدرات عبر الإنترنت، على شكل ملفات صوتية مجانية كعينة تجريبية تعتمد على إيقاع الزائر في فخ الإدمان ومن ثم استنزاف أمواله، ففي البداية يتم تقديم عينة مجانية للتأكد من فعاليتها، وبعدها يصل سعر المقطع الصوتي الواحد إلى أكثر من ثلاثة آلاف دولار، حسب قوة ونوع التأثير، غالبا ما تحقق هذه النغمات غرضها وتوقع المستمع إليها ضحية الإدمان الافتراضي.
ولم تكن هذه التجارة عبثا أو خدعة بل استندت إلى دراسات من قبل منتجيها من خلال توفير كتاب خاص فيه جميع المعلومات عن هذا المخدر وطريقة تعاطيه، كذلك يوجد لها طقوسها الخاصة، وأن يجلس المتعاطي الافتراضي في غرفة خافتة الإضاءة، كما أن عليه أن يرتدي ثيابا فضفاضة ويضع السماعات، ويكون بحالة استرخاء شديد، ثم يغمض عينيه ويشغل الملف الصوتي.
انتقلت موجة هذه المواقع الإلكترونية من أوروبا وإيران وتركيا إلى الوطن العربي، ويبدو أنها نجحت في تحقيق شعبيتها بين فئة الشباب، لما تشيعه بأن هذا النوع من المخدرات افتراضي وليست له آثار جانبية لمتعاطيه، متركزين على خدعة عدم احتوائه على مكونات كيميائية.
بداية عام 2015، اعترف شاب لبناني من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بأن سبب وفاة أحد زملائه في الجامعة كان جراء تعاطي المخدرات الإلكترونية، دون تأكيدات رسمية من قبل وزارة الصحة اللبنانية.
الطبيب الفرنسي شارل راين يرى أنه لا يوجد ما يدعم أن المخدرات الرقمية ضارة بالصحة، لأن مجرد العبث بإدراك الصوت على الدماغ ليس له تأثير على التصور الخاص بالنشوة أو أي شيء مشابه لآثار المخدرات الحقيقية.
هذا الرأي عارضه الطبيب الأميركي جان ماري مارفان مستندا إلى أن هذه الذبذبات والأمواج الصوتية تؤدي إلى تأثير سيئ على المستمع كونها لا تشعره بالابتهاج وتسبب له ما يعرف بالشرود الذهني بانفصاله عن الواقع وانخفاض تركيزه، ومع تكرار هذه الحالة يضاف إليها حدوث نوبات تشنج واحتياج دائم لهذه الذبذبات التي تتلاعب بالدماغ من خلال فرض موجات معينة على دماغ الإنسان دون الإرادة.
العالم بحاجة ماسة إلى دراسات علمية متخصصة تؤكد أو تنفي مخاطر الإدمان الإلكتروني، |
في حين لا توجد حتى الآن دراسة علمية تؤكد الضرر الطبي من تعاطي هذا النوع من المخدرات أو تنفيه، مما جعل الآراء المتضاربة تعتم على حقيقة هذا الخطر من الإدمان، دون الاستناد إلى حقيقة علمية مطلقة ناتجة عن عينات للمتعاطين، وهذا ما ينذر بخطر جديد يفتك بالمجتمعات العربية، في الوقت الذي تنشط فيه المواقع الإلكترونية المروجة لهذا الإدمان الافتراضي، من خلال سهولة الحصول على المنتج المخدر وتجنب مخاطر البحث عنه.
في عام 1970 استخدمت تقنية النغمات الصوتية للمساعدة في علاج حالات الاكتئاب الشديدة في الولايات المتحدة الأميركية بإشراف طبي نفسي متخصص بسبب خطورتها على المريض، وهذا ما يؤكد أن هذه الأنواع من النغمات الصوتية أشد فتكا من التقليدية كونها تتحكم بحالات الاكتئاب.
العالم بحاجة ماسة جدا إلى دراسات علمية متخصصة تؤكد أو تنفي مخاطر الإدمان الإلكتروني، في الوقت الذي يجب أن نتجنب سماع تلك المؤثرات الصوتية وعدم المجازفة إطلاقا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.