تعلمنا أن الديمقراطية أفضل وسيلة سلمية لتبادل السلطة ومشاركة المواطنين في صنع القرار من خلال الممثلين الذين ينتخبونهم بإرادتهم الحرة عبر الانتخابات النزيهة. هكذا قيل لنا. وتعلمنا أن الدول الغربية وصلت إلى مستوى متقدم في تطبيق الديمقراطية لدرجة أن أنظمتها أصبحت نماذج النظام الديمقراطي المثالي ومعاييره. هكذا قيل لنا.
كان في اعتقادنا أن الدول الغربية تحترم الحريات وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأطفال وحقوق العمال وحتى حقوق الحيوانات، بل تراقب الانتهاكات التي تحدث في دول ما يسمى العالم الثالث، وتنشر تقارير حول تلك الانتهاكات، وتدعو الحكومات لاحترام جميع هذه الحقوق. ولكننا فوجئنا حين اكتشفنا أن تلك التقارير المنشورة معظمها مسيسة وأدوات ضغط لخدمة أجندات الدول الغربية، وأنها تظل حبرا على ورق حين يتعلق الأمر بالمصالح الغربية.
الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ظلت متفرجة على الجرائم البشعة التي ارتكبها الانقلابيون في مصر |
الشباب العربي منذ إضرام التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه وانطلاق شرارة الربيع العربي الأولى يطالب بأعلى صوته بالحرية والكرامة والديمقراطية والمشاركة في صنع القرار وتقرير مصير البلاد، ويسعى للحصول على الحقوق والحريات التي يتمتع بها الشباب الغربي، ويرى أن من حقه أن يختار ممثليه عبر انتخابات حرة ونزيهة ويغيرهم عبر صناديق الاقتراع، كما تفعل الشعوب الغربية في البلاد التي تحكمها الأنظمة الديمقراطية.
وفي خضم ثورات الربيع العربي، كان المتوقع من الدول الغربية التي تتغنى ليل نهار بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان أن تساند الشباب العربي في تحقيق حلمه، ولكنها لم تفعل، بل دعمت بشكل مباشر أو غير مباشر الدكتاتوريين والأنظمة القمعية التي لا تتردد في ذبح الآلاف من المدنيين العزل وتدمير البلاد من أجل قتل هذا الحلم الإنساني.
الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ظلت متفرجة على الجرائم البشعة التي ارتكبها الانقلابيون في مصر، وعلى اغتصاب الإرادة الشعبية بقوة السلاح، بدلا من أن تقف إلى جانب الجماهير الغفيرة التي احتشدت إلى رابعة العدوية والنهضة وغيرهما لرفض الانقلاب العسكري.
تلك الدول التي من المفترض أن تستنكر الانقلاب العسكري بشدة وتطالب بالعودة إلى الديمقراطية وإطلاق سراح الرئيس الشرعي المنتخب، تسابقت إلى الترحيب بالقيادة الجديدة المجرمة، وفرشت السجادة الحمراء تحت أقدام الانقلابيين.
كانت الدول الغربية في اختبار جديد في الخامس عشر من الشهر الماضي، حين قامت مجموعة من ضباط الجيش التركي بمحاولة انقلاب دموية لإسقاط الحكومة المنتخبة ورئيس الجمهورية المنتخب رجب طيب أردوغان، وخرج الشعب التركي إلى الشوارع والساحات للدفاع عن الإرادة الشعبية ومقاومة الانقلابيين، إلا أن تلك الدول لم تنجح في هذا الاختبار، وتأخرت في إدانة محاولة الانقلاب وإعلان وقوفها إلى جانب الديمقراطية والإرادة الشعبية.
بل كانت التصريحات التي تصدر من المسؤولين الغربيين توحي بأنهم يشعرون بحزن عميق على فشل محاولة الانقلاب العسكري وأنهم قلقون على مصير الانقلابيين القتلة أكثر من قلقهم على تحقيق العدل، ولا تعنيهم حقوق مئات الضحايا وذويهم.
في ظل مواقف الدول الغربية من قضايا الديمقراطية في الدول الأخرى تتبلور الصورة أكثر، ويتضح أن هناك ديمقراطية غربية عنصرية |
هذه المواقف والتجارب المرة في تعامل الغرب مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادنا تدفعنا إلى تساؤلات عديدة حول حقيقة الديمقراطية الغربية.
هل يرى الغربيون أنهم يحتكرون حق التمتع بالنظام الديمقراطي أم يرون أن من حقنا أيضا كبقية الشعوب أن نستنشق شيئا من نسمات الديمقراطية والحريات؟ وهل يؤمنون بأن جميع الشعوب سواسية أم يعتقدون أنهم هم المواطنون الأصليون من الدرجة الأولى في هذه الأرض، وأما نحن فـ"بِدُون" هذا العالم، وأقصى ما يمكن أن نحصل عليه هو التجنيس بعد أن ننال رضاهم؟ وهل يروننا من بني البشر أم يظنون أننا دون ذلك، وخلقنا من أجل خدمة الإنسان الغربي، وبالتالي ليس من حقنا المطالبة بالديمقراطية والحرية، بل يجب أن يقودنا دكتاتور فاسد بالحديد والنار كما يقود راعي الغنم قطيعه بالعصا؟
الديمقراطية وحقوق الإنسان يستحقها جميع شعوب العالم، كما أن المبادئ والقيم الإنسانية لا يمكن أن يحتكرها أحد. وفي ظل مواقف الدول الغربية من قضايا الديمقراطية في الدول الأخرى تتبلور الصورة أكثر، ويتضح أن هناك ديمقراطية غربية عنصرية تختلف عن الديمقراطية الإنسانية التي نعرفها وسيلة عالمية لتبادل السلطة والاحتكام إلى إرادة الشعوب. بل علينا أن نطرح هذا الموضوع للنقاش: "هل تتفق القيم الغربية مع الديمقراطية؟".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.