شعار قسم مدونات

هل عاد البعث؟ ولم الحظر؟

blog-صدام

حزب البعث الذي حكم العراق منذ عام ١٩٦٨ وحتى عام ٢٠٠٣ -وهو عام غزو الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها للعراق واحتلاله- يعتبر من الأحزاب ذات الطابع العلماني رغم أنه في آخر سنوات حكمه للعراق أطلق حملة إيمانية لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم.

وهذه الفترة اعتبرها مختصون فترة تحول في توجهات الحزب حيث بات واضحا الخطاب الديني في البيانات والخطابات الرسمية لرئيس مجلس قيادة الثورة والذي كان من خلاله الحزب يديرالعراق بعد احتلال العراق.

اعتقلت قوات الاحتلال كثيرا من قيادات الحزب وعلى رأسهم المتنفذين في السلطة واختفى آخرون. وكما هو متعارف عليه في جميع بلدان العالم تظهر مقاومة مسلحة وغير مسلحة ضد تواجد قوات الاحتلال فظهر جيش محمد وهو أحد الفصائل التي قاتلت الاحتلال، وقد شكل هذا الجيش بقرار من  الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الفترة الأولى للاحتلال وضم عددا من الضباط والبعثيين وشيوخ العشائر وآخرين.

بعد ما حصل في الحويجة ودخول تنظيم الدولة إلى الموصل ومدن أخرى عاد سياسيو حزب البعث إلى الظهوربعد أفول نجم عساكرهم

وقد أعدمت الحكومة العراقية الحالية قائد هذا الجيش وهو العقيد الركن مؤيد ياسين بعد أن سلمته قوات الاحتلال الأميركي لها. واقترن اسم هذا الجيش باسم النبي محمد صل الله عليه وسلم، كما ظهر فصيل جيش رجال الطريقة النقشبندية بقيادة عزت الدوري أحد أبرز مساعدي ورفاق الرئيس السابق صدام حسين. والنقشبندية فصيل ذو طابع ديني صوفي شكل من قبل زعيم الطريقة النقشبندية، لكن هذا لا يعني أن قادة الحزب الآخرين قد غيروا نهجهم العلماني، إذ لم يتطرق كثير من قيادات الحزب السياسية إلى العمل العسكري وبالطابع الديني، بل توارى كثير منهم عن الأنظار رغم ثقل علاقاتهم وتأثيرهم الدولي.

هذه الفصائل المسلحة وكما هو حال فصائل أخرى لم يعد لها تأثير على الساحة بسبب المتغيرات الكثيرة التي طرأت وظهور صراعات جديدة لم تشترك بها رغم أنه كان هناك تسويق كبير لمثل هذه الفصائل خصوصا بعد التوتر الكبير والأجواء المشحونة بين المتظاهرين و حكومة المالكي التي هددت بقمعهم والقضاء على التظاهرات بالقوة. لكن بعد ما حصل في الحويجة وعقب ذلك دخول تنظيم الدولة إلى الموصل ومدن أخرى وتضرر المناطق التي يعتقد أن تنشط بها هذه الفصائل وما جرى من انتهاكات ونزوح والأحداث التي صاحبت المعارك؛ عاد سياسيو الحزب إلى الظهور بعد فسح المجال أمامهم خصوصا بعد أفول نجم عساكرهم.

كان الظهور الإعلامي الأول والأبرز هو اقتران اسم قيادات الحزب بمؤتمر باريس وما صاحبه من صخب إعلامي دفع بالحكومتين العراقية والإيرانية إلى التدخل وإرسال وفود إلى فرنسا لوقف انعقاد المؤتمر، غير أن جميع المحاولات فشلت وعقد المؤتمر، لكن سرعان ما نفى حزب البعث مشاركته في المؤتمر كما هو حال فصائل وجهات معارضة أخرى.

تم حل حزب البعث في العراق بقرار من بول بريمر الذي عينته قوات الاحتلال عام ٢٠٠٣ حاكما مدنيا للعراق، وشكل بريمر لجنة أسماها لجنة اجتثاث البعث كانت وظيفتها جمع معلومات عن كل بعثي من درجة عضو فرقة فما فوق ليتم فصلهم من وظائفهم في مختلف مرافق الدولة العراقية. واستمر العمل بهذه اللجنة حتى بعد إقرار دستور العراق الدائم عام ٢٠٠٥.

فقد نصت الفقرة ١٣٥ على أن تواصل الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث أعمالها بوصفها هيئة مستقلة بالتنسيق مع السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية في إطار القوانين المنظمة لعملها، وترتبط بمجلس النواب الذي يملك أحقية حل هذه اللجنة، وهذا ما حصل في العام ٢٠٠٨ وبتوصيات أميركية.
 

الظهور الإعلامي الأول والأبرز لقيادات حزب البعث كان في مؤتمر باريس وما صاحبه من صخب إعلامي دفع بالحكومتين العراقية والإيرانية لإرسال وفود إلى فرنسا لوقف انعقاده

كما تم تشريع قانون المساءلة والعدالة، وهذا القانون لم يقص الأعضاء الصغار في الحزب لكنه منح بعض الحقوق لمن تم إقصاؤهم في السابق حيث أحيل بموجبه أعضاء الشعب إلى التقاعد كما أحيل الموظفون بالدرجات الخاصة (مدير عام أو ما يعادلها) إلى التقاعد، وأنهى خدمات منتسبي الأجهزة الأمنية وأحالهم إلى التقاعد كذلك، ومنع أعضاء الفرق من العودة إلى الرئاسات الثلاث ومجلس القضاء والأجهزة الأمنية ووزارتي الخارجية والمالية، فيما سمح لما دون ذلك بالعودة إلى وظائفهم باستثناء فدائيي صدام الذين لم يحالوا إلى التقاعد ولم يسمح لهم بالعودة للوظيفة.
 

هذه الإجراءات والتشريعات حدت من عمل ونشاط قيادات الحزب حيث لم يسمح لهم بالعمل السياسي داخل العراق منذ عام ٢٠٠٣ كما واتهمت قيادات في الحزب السلطات العراقية وقوات الاحتلال بتصفية ومحاربة أعضاء الحزب، فيما تحدثت تقارير من داخل الحزب إلى أن أكثر من ١٦٠ ألف بعثي قتلوا بين أعمال مقاومة وحوادث اغتيال وتصفية.
 

في تموز عام ٢٠١٦ ذهب مجلس النواب إلى تشريع قانون حظر حزب البعث حيث نص هذا القانون في المادة ٢/أولا منع عودة حزب البعث تحت أي مسمى إلى السلطة أو الحياة السياسية وعدم السماح له بأن يكون ضمن التعددية السياسية والحزبية في العراق، وفي المادة ٣/أولا يمنع حزب البعث من ممارسة أي نشاط سياسي أو ثقافي وتحت أي مسمى وبأي وسيلة من وسائل الاتصال أو الإعلام، وبهذا القانون قطعت الأحزاب المشاركة في الحكم الحالي الطريق أمام عودة أي نشاط معلن لحزب البعث في داخل العراق.

لكن السؤال هنا: ما الذي دعا إلى تشريع هذا القانون بعد ١٣ عاما من حل حزب البعث ووقف جميع أنشطته داخل البلد؟ وهل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة من الأحزاب ذاتها لم تكن كافية لوقف عودة البعث؟

هل هناك عودة للبعث من بوابة الخارج خصوصا وأن أعضاء كبارا في أبرز الأحزاب الحاكمة تحدثوا عن تحركات لقيادات بعثية في الخارج ووصفوها بالمحاولات لإدخال الحزب للعملية السياسية؟

إن التحرك لتشريع قانون حظر حزب البعث في وقت انشغال الحكومة بسلطاتها الثلاث في المعارك الدائرة والأزمات المالية والسياسية ومأزق النازحين كل هذا يجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام خصوصا أن مخطط الحرب على العراق توني بلير قدم اعتذاره عما اعتبره الخطأ الكبير، وكانت تخيلاته لوجود أسلحة دمار شامل هي سبب هذه الحرب.

أي أن الحكومة البريطانية مدينة بالاعتذار للحزب الحاكم آنذاك كما أن علاقات البعث بالبرلمان الأوروبي لم تشهد أي تدهور حتى قبل ٢٠٠٣ حيث كانت المعارضة الأكبر للحرب على العراق، كما أن دول الخليج غيرت من سياستها تجاه البعث العراقي وبات هذا جليا في خطابات قيادة البعث مؤخرا والثناء المتكرر لدور حكومات الخليج في التعامل مع ملفات المنطقة وآخرها بيانات التأييد لعاصفة الحزم والتحالف الأسلامي، لاسيما وأن النظام السياسي في العراق صار ميالا وبشكل واضح إلى أحد أبرز أعداء الاتحاد الأوروبي والخليجي ألا وهو إيران المشاغب الأبرز في المنطقة حاليا.

هذه المعطيات وغيرها ربما جعلت الخوف من عودة البعث يدب في عقول وصدور ونفوس أحزاب السلطة في العراق وأخذتهم إلى التصويت ودون تردد لحظر حزب تم حله ومحاربته بكل ما توفر من سبل خلال ١٣ عاما مضت.

فهل هناك عودة للبعث من بوابة الخارج خصوصا وأن أعضاء كبارا في أبرز الأحزاب الحاكمة تحدثوا عن تحركات لقيادات بعثية في الخارج ووصفوها بالمحاولات لإدخال الحزب للعملية السياسية؟ ولماذا حظر البعث في هذا الوقت الذي ينشغل فيه الجميع في الخارج والداخل بأزمات العراق المتعددة وعلى راسها الأمن؟

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان