حين نرى ما حدث في الجزائر بداية التسعينيات من القرن الماضي، وكيف ألغيت الانتخابات التي أفرزت فوز الإسلاميين، ولماذا تم حل حزبهم "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وكيف أن العسكر تدخل لاجتثاثهم.. فإن ذلك يطرح أكثر من علامة استفهام.
بعدها نأتي إلى مصر لنلقي نظرة على تجربة "الإخوان المسلمين"، ولماذا انقلب عليهم العسكر، ولماذا يتم إقصاء الإسلاميين عموما ويتكالب عليهم الخصوم والأعداء، وهل من سبيل لمواجهة ذلك، أو هل من طريقة لتفادي كل هذا؟
رغم أن حركة النهضة فازت في الانتخابات، فإن رئاسة الجمهورية كانت من نصيب منصف المرزوقي من المؤتمر من أجل الجمهورية، بينما تكفلت الحركة برئاسة الوزراء |
أظن أن الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، قد درس كل ما سبق وأكثر، وهو على دراية تامة بما وقع، وما يمكن أن يحدث للإسلاميين، إن وصلوا لسدة الحكم، من هذه المنطلقات سنحاول إلقاء نظرة على سيرورة حركة النهضة بعد الثورة التونسية، ومن خلالها سترسم لنا خطوط عريضة للمستقبل القريب.
إذن وكما ذكرنا فمن المنتظر أن ينقلب العسكر "بدعم غربي" على أي حزب إسلامي يصل للسلطة، فلماذا نقدم لهم هذه الفرصة على طبق من ذهب؟ هكذا بدأت حركة النهضة مسيرتها بعد الثورة، حين قادت المرحلة الانتقالية جنبا إلى جنب، مع حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، وحزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، ورغم أن حركة النهضة فازت في الانتخابات، فإن رئاسة الجمهورية كانت من نصيب منصف المرزوقي من المؤتمر من أجل الجمهورية، بينما تكفلت الحركة برئاسة الوزراء.
تركت النهضة مسافة أمان بينها وبين السلطة، لأن مصلحة الوطن هي العليا، في ظل تربص الأعداء بتونس كتربصهم بباقي الدول العربية، كانت النهضة تستعد في البداية للمشاركة في الانتخابات المقررة سنة 2014، ولا شك أنهم استحضروا إمكانية الوصول للسلطة، لكن الحدث (الانقلاب العسكري) الذي جاء صداه من مصر سنة 2013 أكد لهم الدروس السابقة، القائمة على المنطق الغربي: "الديمقراطية التي تنتج الإسلاميين محرمة".
الهدف من وراء إيصال "نداء تونس" للسلطة هو جعله يتفكك تدريجيا، لأن التكتل لا يدوم، وخصوصا حين يتعلق الأمر بالسلطة، فالكل داخله يريدها، أو يريد منصبا على الأقل، مما يخلق صراعا داخليا يجعل الحزب يتفكك |
كما أن حركة النهضة لاحظت قبل ذلك بروز تكتل جديد يضم "بقايا العسكر، ونظام بن علي، ونظام بورقيبة" في حزب واحد أسس سنة 2012، هو حزب "نداء تونس"، تكتلهم ليس "بريئا"، ولا يعدو هدفه "الوصول إلى السلطة"، وليس خدمة الوطن والشعب. ما دام حزب نداء تونس يحوي بداخله أطيافا مختلفة، فمن البديهي أن تجمعهم لن يدوم.
بلا شك فالإخوة في حركة النهضة قد استحضروا كل هذا، وقد كان ما سبق سببا إلى جانب "التحذير القادم من مصر" لدفعهم إلى التأني، والخروج من سباق الرئاسة، من باب "خطوة إلى الوراء، تليها خطوتان إلى الأمام" مع اختيار الحياد، الذي صب في صالح "النداء"، وأبناء الشيخ "راشد الغنوشي" واعون بقراراتهم، بل أعتقد أن حيادهم كان عن قصد.
الهدف من وراء إيصال "نداء تونس" للسلطة هو جعله يتفكك تدريجيا، لأن التكتل لا يدوم، وخصوصا حين يتعلق الأمر بالسلطة، فالكل داخله يريدها، أو يريد منصبا على الأقل، مما يخلق صراعا داخليا يجعل الحزب يتفكك، وقد حصل ما كان متوقعا، وذكر الشيخ "راشد الغنوشي" قبل أيام، أن الأعضاء الراديكاليين خرجوا من نداء تونس وبقي فيه المعتدلون، وهذه أولى الخطوتين إلى الأمام.
بقيت الخطوة الثانية، وهي آخر مراحل سلم الصعود للحكم بالنسبة للنهضة، وهي تغيير اللباس لتفادي تكالب الأعداء عليها، وقد فعلت ذلك في الشهور القليلة الماضية، حيث فصلت الدعوي عن السياسي، وصارت حزبا سياسيا محضا، لا يختلف عن باقي الأحزاب، وهذا ما يدخل الحركة في مصاف العلمانيين حسب كثيرين، وقد يكون قرارها جاء لتأمين المشروع من مكر الأعداء.
وستعطي محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا درسا آخر للحركة للاستعداد لأي شيء، وتوقع أن مؤسسات الدولة ذاتها قد تخون الوطن، وهذا ربما سيجعل من تجربتهم القادمة محط اهتمام واسع، خصوصا إذا وصلوا للرئاسة، وهذا ما أكاد أجزم به.
الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في نوفمبر 2019، ستحمل "النهضة" إلى سدة الحكم، لأن جاهزيتهم قد اكتملت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.