شعار قسم مدونات

فألقيه في اليمّ

Blogأطفال العراق

يعتبر نبي الله موسى عليه السلام من أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن الكريم نظراً للأحداث التي رافقت حياته مع الطاغية المتكبر فرعون.

عندما تعيش في العراق تدرك أن فرعون بجبروته وظلمه وطغيانه قد تجسد في صورة الفساد والإهمال الذي يفتك بالعراق والعراقيين

من أهم تلك الأحداث هو ما حصل قبل ولادته وبعدها بفترة قليلة، عندما أمر فرعون بقتل المواليد الجدد لنبوءة يعلمها فقط لأنها تهدد عرشه وتقض مضجعه. وعندما خافت أم موسى على ابنها طمأنها الله تعالى بقوله "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ". فألقته في البحر وحدث ما حدث بعدها من قصص موسى المعروفة التي قصها القرآن الكريم علينا في أكثر من سورة.

تلك الطفولة البريئة كانت تهدد عرش فرعون وجنوده وهو يحكم البلاد والعباد إلا ما شاء الله، ذلك الحاكم الفاسد الجاحد الطاغي ليس ببعيد عما يحدث في حياتنا الآن. فبعيداً عن القصف والقتل والتهجير بحق ما نراه من الأطفال في سوريا والعراق وباقي بلداننا العربية وغير العربية وعلى مختلف أديانها وطوائفها، نجد اليوم من يستهدف عشرات الأطفال وهم بعمر ساعات وأيام داخل حاضنات مستشفى اليرموك في بغداد ليقتلهم حرقاً وتتفحم جثثهم وتوضع في صناديق كرتونية صغيرة وكأنها دمى ولعب أطفال في متجر قديم خرِب. ولو أننا سألنا عن السبب فسوف يأتينا الجواب الشافي والكافي والمعروف "تماس كهربائي"، ذلك السبب الأكثر شهرة والمبرر الوحيد للفساد والإهمال لهكذا أحداث في كل مكان.

عندما تعيش في العراق تدرك أن فرعون بجبروته وظلمه وطغيانه قد تجسد في صورة ذلك الفساد والإهمال الذي يفتك بالعراق والعراقيين.

أم سجلت أطفالها الثلاثة في ثلاث مدارس مختلفة وفي مناطق مختلفة، وعند سؤالها عن السبب قالت "كي لا أخسرهم جميعاً في حادثة واحدة"

و كان آخرها ما حدث للأطفال في مستشفى اليرموك و اندلاع حريق آخر في مستشفى آخر للأطفال وفي مكان آخر من بغداد بعدها بيوم واحد، كما واستوقفتني يوم أمس قصة لإحدى الأمهات العراقيات الصابرات التي عمدت إلى تسجيل أطفالها الثلاثة وهم في أعمار متقاربة في ثلاث مدارس ابتدائية مختلفة وفي مناطق مختلفة، وعند سؤالها عن السبب قالت "كي لا أخسرهم جميعاً في حادثة واحدة".

الطفولة أصبحت مستهدفة أكثر من ذي قبل والخوف من الأجيال القادمة أصبح أكثر منه من الأجيال التي انخرط قسم كبير منها في منظومة الفساد وأصبحوا جزءاً من جنود فرعون وأعوانه، فاستهدافهم ربما يكون لأسباب ديمغرافية ـو عرقية أو دينية فتكون هذه مصيبة أو ربما يكون إهمالاً، وعندها تكون المصيبة أعظم. ولم يبقَ الآن للأم العراقية إلا أن تسلِّم أمرها لربها وبارئها وتلقي بفلذة كبدها في اليَم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.