قبل البداية
لا بد أن نكون شاكرين للجزيرة على إعطائنا -نحن الشباب- تلك الفرصة لأن نعبر عن مكنوناتنا وأفكارنا وأحلامنا، كل بطريقته، ولا غرو؛ فالشباب اليوم هم محط آمال التغيير، وإليهم العيون ناظرة شاخصة والأعناق مشرئبة، الجميع ينتظر ماذا سيفعلون؟ هل سيستسلمون أم سيقاومون للنهاية كما هو قدرهم دائما.
بداية ولكن مشوشة
حلمت كثيرا -وما زلت كمعظم الشباب في هذا الجيل- بتغيير الواقع، وحاولت أنا شخصياً بدوافع مختلفة أن يكون لي دور ولو ضئيلا في ما يمكن أن يفيد الأمة قدر ما استطعت في واقعنا الريفي البسيط، ولم تشغل الكتابة لى بالاً من قبل كما هي الآن، لأنني أعلم أن الكاتب لا بد أن يأتي بالجديد وإلا فلا، ولكنني الآن أشعر بأن في صدري مرجلا يغلي، وأن بقلبي بركانا يثور.
بعد حين من الزمان أدركت أن هناك خللاً رأيته بأم عيني وعايشته كما عايشه غيري، وأدركت أن كل ما فعلناه وفعله غيرنا ممن يتصدرون لخدمة الناس ودعوتهم كان كأنه حرث في الماء لم ينبت ثمراً، وعندما أتت الثمرة كانت غايةً في المرارة، وما زالت مرارتها غصة في الحلوق.
حلم يقظة
ظننت -وغيري كثر- لقصر باعي وعجز بصري وعدم درايتي بأمور السياسة إلا وريقات كنت أتصفحها بين الحين والآخر عن الأخبار وبعض المقالات من هنا وهناك ظناً مني؛ أني بذلك قد أصبحت سياسياً، ظننت بعد الثورة أنه قد آن الأوان لمصر أن تخرج من القمقم الذي طالما حبست فيه، وأن نرى الحرية التي حلمنا بها ردحاً طويلاً.
بعد ما ألّم بمصر، بدأت أمور تنكشف شيئاً فشيئاً لم تكن لتظهر لولا ما صار، ورب ضارة نافعة |
ولكن رويداً رويداً بدأت الأمور تسير على غير ما أردنا، تتغير وتتبدل وتتعقد على مدى ثلاثة أعوام عجاف من الخبط والخطأ والتيه إلى أن انتهى بنا الأمر إلى ما قد علمتم وشاهدتم، تلك الكارثة التي أحاطت بنا جميعا وما زالت.
بعدها شعرنا جميعاً بحزن وغصة وتجهمنا في وجوه الناس وعبسنا مما كان في القلوب من هم وكمد وحرقة، وحاولت الابتعاد عن الناس قدر ما يمكنني حذراً وبغضاً في أحايين أخرى، إذ صار الناس كالسباع التي تنتظر الفرص لتنقض على فرائسها فتفتك بها ولا تعلم من أين تأتيك الضربة: أمن جار؟ أمن قريب؟ أم من بعيد؟
مكمن الداء
بعد ما ألّم بمصر، بدأت أمور تنكشف شيئاً فشيئاً لم تكن لتظهر لولا ما صار، ورب ضارة نافعة، ورب منحة في طي محنة، ولكن بعد الابتعاد عن الناس، وعن التفكير الجمعي الذي كان غالبا يشوش على الأفكار، ولا يتيح لك الفرصة لتفكر تفكيراً سليماً بعيداً عن التحيز، صرت أتساءل كغيري: عمّ حدث؟ وكيف؟ وغيرها من الأسئلة التي ما زالت مطروحة ولم يفرغ منها حتى الآن، وما زالت الإجابات مستترة أو مخفية.
وانبرى الكتّاب وأمسك كلٌ يراعه وأخذت الأقلام لا تنفك تكتب وتكتب والكتبة يزيدون والكثير من العناوين تظهر كل شخص في معسكره يدافع وينافح عنه وآخرون يكتبون يتحسسوا مواطن الداء لعلهم يجدون الدواء ويشفى الجسد، ولكن هيهات؛ فالداء متمكن ومستشر، ولكن هنا المنحة فلولا ما حدث ما ظهر عوارنا، ولرحنا نبشر الناس ونحن بنا من العيوب ما بنا.
إذن علينا استغلال الموقف ليقوينا لا ليضعفنا، فنقف ونعيد ضبط بوصلتنا وطريقنا وغربلة أفكارنا ورؤانا وتنقيحها وأهدافنا، ولأنني موقن وبعد ما ظهر أن جزءا كبيرا مما نحن فيه هو من كسب أيدينا، ولعل المريض كي يتم علاجه لا بد أن يعترف أولا بأنه مريض وإلا انقض عليه المرض دون سابق تحذير فأرداه ميتاً.
إذن على من بيدهم الأمور أن يقفوا ويعترفوا ويراجعوا ويدققوا ويناقشوا ويقارنوا ويدرسوا ويتعلموا ويعطوا الفرصة، لأننا نؤسس لحضارة وليس فقط تحرير قُطر من الأقطار.
ظللت وقتاً أمعن النظر وأفكر في ما نحن فيه من أوضاع سياسية واقتصادية وغيرها على مستوى الأفراد والجماعات، عند ذلك أصابتني الكثير من سهام اليأس، لكن لعلها لم تكن في مقتل، ولم أهتد إلى الحل، إذ لم أستطع تحديد مكمن الخلل، وأين وكيف يمكننا كأمة الخروج من هذا النفق المظلم، وهل الفرد هو المشكلة ؟ وهو رأي له مناصروه؟ أم هل المشكلة في الساسة والسياسات؟ وهو كما علمتم له مؤيدوه، هل المجتمع هو حجر العثرة؟
من هنا أردت أن تبحث معي وكل مهتم بأمر البلاد والعباد عن حلول ولنفكر سويا لعلنا نجدها |
أرى أن مشكلاتنا خليط من هذا كله؛ فالفرد هو اللبنة الأولى في المجتمع، والمجتمع هو مجموع أفراده، ومن المجتمع يبزغ الساسة، وهم من إفرازات مجتمعهم.
فالأمر معقد إذن إلى حد بعيد، فكيف نبدأ ومن أين؟ هل نبدأ بالفرد فنربيه ونثقفه، و… إلخ؟
هل نذهب للمجتمع مباشرة ندعوه ونخدمه ونعلمه؟ أم هي الأسرة؟ أو ربما علينا الذهاب مباشرة لرأس النظام وبذلك سيكون الأمر أيسر؟
كلها أطروحات حقاً تجعلك تائهاً، لكن ما أوقنه أن كل هذا مهم على اختلاف درجات الأهمية.
بارقة أمل
أشعلت تلك الأوضاع المتردية قلوب الذين يهمهم أمر هذه الأمة، فأمسك كل منهم قلمه ليصلحوا ويوجههوا وينصحوا ما استطاعوا، ولهنيهة شعرت بأن هذا لا طائل من ورائه، لكن إذا عدت بنفسي أقلب أوراق التاريخ القريب وأحوال الأمة فلم تكن حالها أحسن مما هي عليه الآن، وحمل راية التحرر من الاحتلال كل من استطاع إلى ذلك سبيلا والعلماء والمثقفون كانوا في المفرق منهم ، وكشاب أحسست بما عليّ للأمة فأردت أن أحمل مشعلاً أو حتى شمعة صغيرة وأضع لبنة في بناء الأمة العريق.
بعد هذا الطواف فأنا كنت أفتش في نفسي عن حلول لكنها لم تسعفني فما وجدتني إلا حائراً أتلمس سبل الهداية لعلي أجد عليها هدى.
من هنا أردت أن تبحث معي وكل مهتم بأمر البلاد والعباد عن حلول ولنفكر سويا لعلنا نجدها، وأنا هنا لا أقصد مشاكل كالتعليم والصحة والزراعة وغيرها على أهميتها، لكن عن مشكلة المشاكل نبحث وعن حلها فهذا أول الطريق ومنه نصل وبه نخرج جميعا من النفق المظلم وإلا غرقت السفينة وهلكنا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.