شعار قسم مدونات

هل الأخلاق من ابتكار الأقوياء أم من صنع الضعفاء؟

blogs philosophy

من المباحث الفلسفية ذات الطابع الجدلي التي ثارت حولها نقاشات كثيرة ومازالت إلى يومنا هذا، هي قضية الأخلاق و أصلها وفصلها، ومن بين أكبر الأساطين الذين خاضوا في هذا الجدل وكانت لهم نظريات قوية وذات تأثير واسع وانتشار كبير، هما الفيلسوفان كارل ماركس مؤسس المادية التاريخية وفريدريك نيتشه فيلسوف القوة، وكلاهما عاشا في القرن التاسع عشر وكلاهما كانا من رواد الفلسفة الألمانية الحديثة، ويشكلان حركة متنافرة، فالاتجاه الذي يسير فيه كارل ماركس هو عكس الاتجاه الذي يسير فيه فريدريك نيتشه.
 

ماركس يقول بأن الأخلاق هي صناعة الأقوياء والمترفين لاستعباد الضعفاء و المعدومين، كانت هذه هي نظرية الفيلسوف كارل ماركس ممثل المدرسة الماركسية، فهذه المدرسة ترى أن القيم الأخلاقية من إنتاج الأقوياء اقتصاديا في المجتمع.
 

ودائما ما كانوا هم من يصنع الأخلاق التي بها يضمنون بقاء ونماء مصالحهم المادية، فالقيم الأخلاقية انعكاس لعلاقات الإنتاج والطبقة المسيطرة اقتصاديا هي الطبقة المسيطرة أخلاقيا، في كل العصور والمجتمعات، سوءا كان ذلك في النظام الإقطاعي أو الرأسمالي أو الاشتراكي، فالقيم الأخلاقية مصدرها الطبقة المالكة لقوى الإنتاج.
 

لا يستطيع أحد أن ينكر أن الحياة الاقتصادية للشعوب والأمم لها تأثير على ثقافة الناس وأخلاقهم، ولكن ما ينكر على الماركسية هو ذلك الغلو في تفسير نشأة الأخلاق بهذا العنصر وحده، فهناك عوامل أخرى منها الفلسفة نفسها.
 

فالأيديولوجية الماركسية كان لها تأثير في الأخلاق العالمية ولازال الى يومنا هذا، وفي الزمن القديم كان هناك أنبياء ومصلحون استطاعوا تغير أخلاق الناس منهم النبي محمد عليه السلام مع العرب، حيث ألغى كثير من الأخلاق التي كانت سائدة في عصره، منها وأد البنات و شرب الخمر وأكل الربا، كما لا يستطيع أن ينكر أحد تأثير الفلسفة الزاردشتية والمانوية في فارس.
 

ويذهب نيتشه إلى أن أخلاق الرحمة والإحسان والصبر هي حيلة ابتكرها الضعفاء لكي يضحكوا بها على الأقوياء، ولكي يأخذوا من منهم مكاسب ومنافع، كانت هذه هي نظرية الفيلسوف نتيشه، حيث يرى أن الأخلاق هي من صنع الفقراء، وقليل الحيلة و من لا قوة لهم، فهم عندما يفقدون كل وسائل الصراع و المقاومة، يلجؤون إلى حيلة الأخلاق لكي يحصلوا بها على المنافع من الأقوياء، وبناء على هذا قسم الأخلاق إلى قسمين هما أخلاق السادة وأخلاق العبيد.
 

أما أخلاق العبيد هي الرحمة والتضحية والعطف، وهذه هي اخلاق الرعاع والغالبية العاجزة، التي لا تتميز فيها الروح الفردية، وهي مليئة بخداع النفس، فالزهد والتقشف والرحمة والشفقة -مثلا- هي أنانية مستترة فنحن نشفق على الغير لخوفنا من أن يصيبنا ما اصابهم، ونزور المريض لنراه في ضعفه ونتشفى منه، وحتى عطف وإيثار الأم لأبنائها يراه نيتشه أنانيه وأنه يعود في النهاية إلى حب الام لنفسها.
 

أما أخلاق السادة هي أخلاق الأقوياء، و تعني الرجولة والشجاعة والإقدام والجرأة وإرادة القوة والاستقلال والاعتماد على النفس، ومواجهة الألم والمخاطر، فبهذا يصبح الإنسان قوي وهذا ما تريده الحياة.
 

ويرى نيتشه بأن التاريخ هو تعاقب بين أخلاق السادة وأخلاق العبيد، وأنه وكلما سيطرت وسادت أخلاق السادة وشريعتهم، تكتلت الاكثرية من أصحاب أخلاق العبيد وانتصرت عليهم، بسبب كثرتها العددية، و بحجة محاربة الشر فكل ما يصدر عن اخلاق الساده يسميه العبيد شر.
 

نقدية صحيحة إذن هي نظرة نيتشه لنشأة الأخلاق وأنها من صنع الضعفاء، فالضعيف إن فقد وسيلة الأخلاق لم يبقى له شيء لكي يبرر به وجوده، فالضعيف إذا ما عجز يبرر عجزه باللجوء إلى المبادئ المثالية و يحتج بها ضد القوي، قصد رفع الظلم والجور عليه، وغالباً عندما يتعدى مرحلة العجز يتنكر لها إما عمليا أو نظريا أو الاثنين معا، أما القوي غالبا فلا يعطي أهمية لهذا التبرير فيتمادى في قهره وإذلاله.
 

أما قضية وجود أخلاق للسادة وأخلاق للعبيد فهذا ما ينكر على نيتشه، وإن وجد فهذا موجود في رأسه فقط، والحقيقة أنه قد يوجد هناك عقلية لسادة وعقلية للعبيد، وليس اخلاقا لسادة واخلاقا للعبيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.