شعار قسم مدونات

سيكولوجيا الثورة السورية (1): تكوين الشخصية الثائرة

blogs - s
"إن زيادة الحرية الظاهرية تعني التنقيص من الحرية الحقيقية" تطابق هذه العبارة للباحث البريطاني هيربت سبنسر التي أوردها في كتابه "الفرد ضد الدولة" الآلية التي اتبعها النظام السوري حينما وصل بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، حيث عمل على إظهار تحول من سياسة القبضة الأمنية والانغلاق الاقتصادي التي كانت متبعة في حقبة والده حافظ الأسد إلى الانفتاح الاقتصادي وتخفيف شكلي في القبضة الأمنية.
 
الجمهور النفسي الذي أنتجته سياسة الأسد الأب -والمكون من شخصية تجتمع فيها ظاهرتا البعث والخوف- بات تحريضه وتوجيهه أمرا سهلا

بيد أن ما قام به عمليا هو تغيير نهج تعامل الدولة مع المجتمع بسبب ضرورة الانتقال الذي فرضه موت الأسد الأب. هذه الزيادة في الحرية الظاهرية لم تكن سوى إنقاص من الحرية الحقيقة التي يتطلع المجتمع السوري إلى الوصول إليها. 

وبالفعل، استطاع النظام من خلال هذا النهج إظهار نفسه راعيا عاما لحرية الفرد والمجتمع السوري على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما أنه اتبع مبدأ ترحيل المشكلات المعلوم في السياسة الخارجية بإظهار نفسه فاعلا رئيسيا ضمن "تيار المقاومة والممانعة" ضد إسرائيل والهيمنة الأميركية، وقد استطاع بجميع ذلك التغطية على تنامي الفساد الإداري والسياسي الذي يعتبر امتدادا لحكم الأب، بالإضافة إلى التغطية على بروز رجال أعمال متحكمين في اقتصاد البلاد، وانتشار الطبقية المجتمعية والطائفية في المجتمع.

وعمل النظام السوري على إحداث "تنويم مغناطيسي" في المجتمع، إذ إن الجمهور النفسي الذي أنتجته سياسة الأسد الأب -والمكون من شخصية تجتمع فيها ظاهرتا البعث والخوف- بات تحريضه وتوجيهه أمرا سهلا بالنسبة للسلطة باعتباره ذهنية واحدة ذاب فيها وعي الأفراد الطامحين لتخطي هاتين الظاهرتين.
  

لكن موت حافظ الأسد كان يمثل خطرا كبيرا لاحتمال استفاقة الجمهور من نومه المغناطيسي الذي فرض عليه، وهذا الأمر دلل عليه مؤسس علم نفس الجماهير غوستاف لوبون بالتأكيد على خطورة موت القائد بالنسبة للجمهور فهو انكسار لمفهوم "الهيبة الشخصية"، ووفقا لهذا الأساس يمكن تفسير التغير في الآلية التي اتبعها النظام والمستندة إلى تكريس مبدأي الحرية الظاهرية، وترحيل المشكلات "الحرب الخارجية" التي تعتمد على الشعارات والتحريض، وهو الأمر الذي جعل الجمهور السوري يدخل مرحلة تنويم مغناطيسي جديد.

بدأت شخصية جديدة تتكون لدى المجتمع عمادها عدم الخوف والثورة على مبادئ البعث

وكان لدخول ثورات الربيع العربي ونقلها من قبل وسائل الإعلام دور بارز في إخراج الجمهور السوري من حالة التنويم المغناطيسي المفروضة عليه، فمن المعلوم وفقا لمنهج "سيكولوجيا الجماهير" أن عوامل العدوى والتكرار والتأكيد تساهم بشكل رئيسي في تحريك الجماهير المنومة مغناطيسيا وكذلك إقناعها، وبالفعل استطاع الجمهور السوري عبر هذه العوامل الخروج من الحالة التي كان بها، ناسفا الخوف الذي كان يسيطر على اللاوعي فيه.

ومن هنا بدأت شخصية جديدة تتكون لدى المجتمع عمادها عدم الخوف والثورة على مبادئ البعث، وأدى هذا الاستيقاظ إلى البحث عن تكوين عقيدة جديدة ورأي جديد لهذه الشخصية بهدف تحريكها، هذه العقيدة والرأي تستند إلى جملة من الحقائق حول المرحلة السابقة من النواحي الاجتماعية الأيديولوجية، والاقتصادية، والسياسية والعسكرية.

واستطاعت هذه الشخصية الثائرة على جميع الظواهر السابقة إثبات نفسها لفترة من الزمن، بيد أنها تعرضت لاحقا لحالات من الانفصام والتبرير والهروب والتشتيت سيتم التطرق إليها فيما بعد حين استكمال سلسلة تدوين سيكولوجيا الثورة السورية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.