هناك.. أم أمست تدر من ثدييها دما، وتنوح ألما على طفلها المسجى، تستصرخ الرحمة والإحسان والرجاء.
مضايا.. يموت فيها الأطفال جوعا، والبالغون حسرة وألما.. يقتلهم العجز، ويفتك بهم البؤس، ويتآكلهم الحزن في قرية أضحت شبه قاحلة، يبست من كل شيء إلا الإنسان.
في تلك البلدة الواقعة بريف دمشق تذبح القطط رحمة بها وبالإنسانية، لتسد رمق منكوب وحاجة فقير، تؤكل الحشائش، ويعاد تدوير القمامة بشريا للبقاء على قيد الحياة.
في الشام.. تنزل الملائكة على الأرواح الطيبة المستضعفة، لتشهد على أقذع الآثام والجنايات.
تتنزل على مساكين الأرض ومستضعفيها.. تسمع آهاتهم، وتناظر شقاءهم المدفون كمدا في صدورهم اللهيفة وقلوبهم المغتمة.
سوريا.. أحرجت العالم الإنساني مجتمعا، وكشفت عن أخلاقياته المفلسة.
في الجهة الأخرى تناظر سحابة سوداء لا تمطر إلا قتلا.. تلك التي غيمت على ليبيا موتا عشوائيا وبطريقة فظيعة بشعة يلتقط ضحاياه في كل فرصة وبشكل مرعب ومشوه في أرض المختار.
وفي أفريقيا الوسطى ترى نظرات عجوز تستجدي ما تبقى من البشرية الجائرة والإنسانية الظالمة، فلا مجيب ولا نكير ولا مستجير إلا الله.
عندما تكون الخيبة هي العنوان، والضعف هو السمة والدليل فذاك هو القهر المتجلي في صورة المصاب.. مرحبا بك في فلوجة العراق.
حيث عينا زوجك المغمورتان دمعا المغدورتان.. حين سكنت الخلاء نزوحا.
ظننت أن النزوح ما هو إلا انتقال من سكن لآخر، أو أنه رحلة قصيرة المدى لقضاء إجازة ترفيهية.. فكابدت شقاء لا نعيم فيه.
نازحو العراق سكنوا الوطن بأوجاعهم، وسكن الوطن قلوبهم وملأها اشتياقا.
تقطعت بهم الأسباب، وسدت في وجوههم الطرائق وأعوزتهم الوسائل وخذلهم البشر، فلا سبيل لهم إلا الموت "جوعا وحزنا"، وفي الموت راحة للبائسين القاطنين في بورما.
فقر مدقع وعجز صارخ يشكو تفاصيل موجعة.. ذاك هو "القهر".. الساكن أدغال أفريقيا.
القهر حيث بكاء طفلك الجائع، وأنت بعينيك المكسورتين ورأسك المنحني عاجزة عن إسكات أنينه المجلجل وسط أضلاعك.
"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"
لقد كانت الملائكة نافذة البصيرة في معرفة مصير الأرض وعقبى البشر!! كيف لا؟ وهي المخلوقات الشفافة النورانية التي أدركت الحقيقة مبكرا فمكثت تسبح باسم الله وحمده.
معاناة المستضعفين أدمت القلوب وملأت الروح بؤسا وغما.
معاناة لم تجد لها صدى في غابة مليئة بالحثالات والرعاع، حيث العالم السافل والمجتمع الدولي الوضيع بفعل انحطاطه المسبق، لا نتيجة صمته المبهم رغم سفور الجرائم وسطوع الدم.
حينما تتيبس الكلمات فوق الشفاه وتمسي الكلمات قطيعا من الخرفان في حظيرة الجزار.. فقط انظروا.. ناظروا الأفق!! ستجدون أزهارا تنبت في المقابر، حيث من رحم الموت تولد الحياة.
الحياة هي الأصل، والموت هنا استثناء.
فلا تجزعوا، ولا تحزنوا..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.