شعار قسم مدونات

أي جبل يعصم من النقد؟!

blogs - book

كنت ذات مساء أجلس مع أستاذي الذي علمني السحر، وكان -كعادته- لا يحب أن يمضي وقت من يومه دون قراءة، كان أحمد شوقي خصمي الذي يتقاسم معي وقتي وأستاذي في تلك المساء بالتحديد، وكنت راضيا تمام الرضى بهذه القسمة الضيزى.

مضى أستاذي يقرأ في شعر شوقي ويحادثني حتى فاجئني بامتعاضته المشهورة التي يبديها عندما يجد من يتجرأ على العربية، هي نفس الامتعاضة التي كان يبديها في خُطب الجمعة عندما يقرر خطيب ما فجأة أن يرفع المفعول أو ينصب الفاعل، سألته عن الذي أثار غضبه، فأجابني قائلا بأن " أحمد شوقي لا يزال يخلط بين التركية والعربية، ربما تكون هذه الأبيات بديعة بمقياس الأدب التركي، أما بمقياس الأدب العربي فهي لا شيء ".

في هذه الأيام أصبحت الثقافة موضة، وأصبح النقد رجعيا وتخلفا

لم أكن قد قرأت وقتها شيئا يذكر من شعر أحمد شوقي، ولم يكن لي تلك القدرة على تمييز جيد الشعر من رديئه، لكنني كنت أعرف شيئا واحدا لم يكن أستاذي على علم به، كنت أعرف أن شوقي أمير الشعراء، وأنني من جند ذلك الأمير، وهذا ما دفعني إلى إساءة الأدب مع أستاذي ووصفه بالغرور.

لقد أغلق الكتاب وطفق ينظر إلي نظرة "سامويل آل جاكسون" الساخرة، وأنا ما زلت أنعته بغل بالنعوتات الموغلة في الفحش، ولما انتهيت من كلامي قال " عندك مشكلة كبيرة مع الألقاب يا صديقي، وذا الذّم فاذممه وذا الحمد فاحمد " واستمر يقرأ لنفس الرجل الذي أثار غضبه وتركني في ورطة مع غضبي..

هذه العقدة التي كانت في نفسي أجدها اليوم في كثير من بني جنسي ، لقد طال بي العمر حتى قرأت كتاب الرافعي " وحي القلم " ووجدته يثني على شوقي خيرا وشرا ، وتعرفون الرافعي ،وقلم الرافعي ، ونقد الرافعي..

من خلال حياتي القصيرة على هذه الأرض، تعلمت حقيقة موغلة في الحق، وهي أن لا أحد يسلم من الأخطاء ما عدا صاحب قبر بيثرب، ولا أظن أن هذه الحقيقة تغيب عن أذهان مثقفينا، هؤلاء الذين يدافعون عن الألقاب والأسماء والشهادات وسنوات العمل، أو لعلهم يدافعون عن العشرة والسمعة والنفاق اللذيذ..

في هذه الأيام أصبحت الثقافة موضة، وأصبح النقد رجعيا وتخلفا، وأصبح المرء محقا بقدر شهرته، ومخطئا بقدر ما هو مغمور، لقد تركني أصدقائي أعاني، فأنا لا أعرف رتبة يصلها المرء تعصمه من النقد، لقد عرفوا ذلك وتركوني بلا مظلة تحت رحمة المطر …

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان