ما زلت أذكر عندما طلب منّي صديقي بإلحاح خطّة سريعة لفقرات رمضانيّة على منتدى الجامعة الإلكتروني ، لم أكن قد خرجت يومها من سنتي الجامعيّة الأولى (السنفرة) ، وضعت كمّاً من الأفكار لفقرات مختلفة أمامي ، ويوم تقديم المقترحات لاختيار بعضها كنت قد مرّرت بينها على استحياء بأسلوب ظاهريّ واثق ؛ فقرة باسم " تأملات فكريّة ".
اللهم إني لك صمت ثم بدأت .. من هو المفكّر ؟
"القيمة أولاً" إحدى القيم المضافة التي تميّز بها مدونات الجزيرة نفسها، مستندة بتقييم هذه القيمة لفريق من المحررين |
وكنت أرنو حينها لدعوة نفسي فضلاً عن زملائي للانطلاق بفكرهم والتعبير عنه مهما بلغت بساطته أكثر من غاية التعريف ذاته ، وخوفاً من البوح بأفكاري في صفة "تأمل شخصي " قد يؤدي للتهكّم مما أكتب من أعضاء المنتدى في أول تجربة للتدوين ، كنت قد استعنت ببعض تعريفات أسماء مرموقة مثل مالك بن نبي أو الغزالي او أي اسم من الكتاب الروس -مثلاً – شرط أن يكون من عائلة (فسكي) الكرام .
ثم قلت : المفكّر ليس فقط وجه من النخبة التي تظهر على الفضائيات (أو الشخصيّات التسويقية لمدونات الجزيرة) إنما هو كل إنسان لديه القدرة على التفكير وتقليب الأفكار وتدارسها مهما بلغت بنظره من بساطة مدللاً بذلك على تعريف بن نبي للفكر بانه مستمد من التجارب الانسانيّة والخبرات ، وقبله مستدلاً بالخطاب القرآني العام للناس وليس لقطاع نخبوي معيّن ( أفلا تتفكّرون).
"القيمة أولاً" إحدى القيم المضافة التي تميّز بها مدونات الجزيرة نفسها، مستندة بتقييم هذه القيمة لفريق من المحررين! ، قادني هذا لما كتبته قبل خمس سنوات على المنتدى كنت حينها لا أملك دلائل ماديّة كافية على أن الفكرة – مهما بلغت بساطتها- لها قيمة معيّنة قد تكون في يوم منطلق لكتاب أو بحث علمي أو حتى مراجعة فكريّة لجماعات وتيارات فكريّة أو أعظم من ذلك ، غير أني استعنت وقتها بمبدأ مميز للتعامل مع عالم الأفكار ، ما قاله مالك بن أنس وهو يشير لقبر الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام – " كلٌ يؤخذ منه ويُرد إلّا صاحب هذا القبر " .
هذه الأفكار التي تنتج عن وقائع يكبر معها القلب والعقل أعوام وأعوام تحتاج لمن يستخرجها ويحثّها على الظهور كتعويض لصاحبها عن ضعفه أو خوفه |
اليوم ما زالت كلمة مالك بن أنس ترن في أذني لكن بفهم مطوّر ، فحتّى ما يُرد من أفكار لا يرد لأنه فكر خاطئ بل لأنه قابل للنقد والتداول ويقع بين اختلاف الآراء والنظرات والخبرات والأزمنة ، الأقلام اليوم توّاقة لأن تكون هذه المدوّنات -فعلاً- بيت لها ، لكن ليس بيت للطاعة يؤسس لحالة من الموضة أو "القوامة" الفكريّة التي لا تُرد بل بنكاً من الأفكار المتداولة صغيرها وكبيرها من تجربة العامل لرأي طالب المدرسة وتعزيز خيارات التعليق والتقييم والتداول .
فتلك الأفكار المتولدة من سهرة الأصدقاء أو نقاش رفيقا السفر أو الفكرة التي تخطر في لحظة تأمل ويظن صاحبها أنها لو كان فيها خير لفكّر بها غيره ، هذه الفكرة التي يرقص القلب لها عندما يراها صاحبها بعد سنوات قد كانت نقطة انطلاق لبرنامج تلفزيوني أو نظريّة تفرد لها صالونات الفكر مساحات للنقاش.
هذه الأفكار التي تنتج عن وقائع يكبر معها القلب والعقل أعوام وأعوام تحتاج لمن يستخرجها ويحثّها على الظهور كتعويض لصاحبها عن ضعفه أو خوفه من تسويق أفكاره لفهمه الخاطئ لتزكية النفس مثلاً أو حتّى لوجود زوجة أو صحبة يرى فيهم جمهور منصّته للتعبير أو ربما فقره لكميّة من "اللايك" التي تساهم في استقطابه للتحدّث الى الناس اليوم ، وهذا "اللايك" هو أفيون الشباب اليوم .
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.