شعار قسم مدونات

بلد الألف اتفاقية سلام

blogs - sudan

ولد السودان وفي فمه ملعقة من سلام، يريد أهل الدار أن يعثروا على الملعقة المفقودة ويفضل بعض اللصوص أن تضيع معهم إلى الأبد.

هكذا انطلقت قاطرة الحرب الأهلية في السودان قبل استقلاله في يناير/كانون الأول من العام 1965 بأربعة أشهر، وبدأت معها أولى رحلات البحث عن ملعقة السلام الضائعة، فتناسلت اتفاقات السلام لا كما تتناسل المشاريع الراسخة، تطاولٌ في بنيان الاتفاقيات وتهالكٌ في نتائجها بدليل الحروب التي لم تتوقف منذ ستين عاما، وهو العمر الحقيقي للسودان كجمهورية ما بعد استعمارية.

وبمناسبة انشغال الشعب السوداني هذه الأيام بعودة مياه التفاوض بين الحكومة والمعارضة السلمية والمسلحة إلى مجاريها السياسية، كنت أسلّي نفسي بإحصاء اتفاقيات السلام السودانية منذ انطلاق شرارة حرب عام 55 الأهلية وحتى الآن، فوجدتها تقارب أربعين اتفاقية سلام، وقد تصل إلى خمسين أو ستين اتفاقية ومبادرة للسلام إذا أضفنا إليها اتفاقات السلام والصلح الموقعة بين القبائل السودانية بغرض فض الاشتباكات المسلحة بينها.

وحتى لا أُتهم بإلقاء الأرقام على عواهنها، إليكم ما أحصيته:
• 1965 مؤتمر المائدة المستديرة المنعقد في جوبا
• 1972 اتفاقية أديس أبابا وقعها النميري مع قادة التمرد في جنوب السودان
• 1986 إعلان كوكادام بين التجمع الوطني المعارض وقادة التمرد في جنوب السودان
• 1988 اتفاقية الميرغني-قرنق (عرفت ايضا بمبادرة السلام السودانية)
• أبريل/نيسان 1989 اتفاق القصر وقعه الصادق المهدي كرئيس وزراء مع الأحزاب السودانية
• سبتمبر/أيلول 1989 مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام في السودان أول مؤتمر للسلام بعد انقلاب الإنقاذ 1989
• ديسمبر/كانون الأول 1989 مؤتمر نيروبي
• 1991 أبوجا-1
• يناير/كانون الثاني 1992 إعلان فرانكفورت الذي أقر مبدأ الاستفتاء الذي انفصل بموجبه لاحقا جنوب السودان
• 1993 أبوجا-2
• سبتمبر/أيلول 1994 إعلان مبادئ "إيقاد"
• 1995 مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية
• أبريل/نيسان 1997 اتفاقية الخرطوم للسلام
• يوليو/تموز 1997 مبادرة "الإيقاد"
• 1997 اتفاقية فشودة وهي زيادة لاتفاقية الخرطوم للسلام
• أغسطس/آب 1999 إعلان طرابلس برعاية العقيد القذافي
• نوفمبر/تشرين الثاني 1999 اتفاقية جيبوتي مع الزعيم الصادق المهدي "نداء الوطن"
• يونيو/حزيران 2001 المبادرة الليبية المصرية المشتركة وقعتها الحكومة مع المعارضة الشمالية
• يوليو/تموز 2002 اتفاقية بروتوكول مشاكوس
• 2002 اتفاقية وقف إطلاق النار جبال النوبة
• يوليو/تموز 2003 مذكرة ناكورو التي قدمتها مبادرة "الإيقاد" باجتماع كينيا
• سبتمبر/أيلول 2003 اتفاقية أبشي لوقف إطلاق النار في دارفور
• يونيو/حزيران 2005 اتفاقية القاهرة
• يناير/ كانون الثاني 2005 اتفاقية نيفاشا ومبدأ تقرير المصير على أرض الواقع
• 2006 اتفاقية أبوجا
• 2006 اتفاقية أسمرا مع جبهة الشرق
• مايو/أيار 2006 اتفاقية أبوجا لسلام دارفور
• يونيو/حزيران 2011 الاتفاق الإطاري "اتفاق نافع-عقار"
• يوليو/تموز 2011 اتفاقية الدوحة لسلام دارفور
• أغسطس/آب 2013 اتفاقية وقف العدائيات بين قبيلتي المعاليا والرزيقات (شمال دارفور)
• سبتمبر/أيلول 2014 إعلان باريس بين الجبهة الثورية وحزب الأمة
• ديسمبر/كانون الأول 2014 اتفاق نداء السودان بين معارضي الحكومة السلميين والمسلحين
• أكتوبر تشرين الأول 2015 حوار الوثبة وانطلاق مشروع الحوار الوطني
• 8 أغسطس/آب 2016 اتفاق خارطة الطريق الأفريقية

وكما ترون وسترون، فقد ألهى السودانيون تكاثر الاتفاقات حتى زارتهم الحرب، فلم يعد يستطيع أحد أن يتبيّن خيط الأسباب من النتائج، أيهما أنجب حرب الفشل.. كثرة الاتفاقات أم قلة السلام؟

وقد ضرب التكاثر أبنية السياسة السودانية، تماما مثل اتفاقات السلام التي غادرت حماماتُها أعشاشَها، فوِفْق آخر حوار وطني يجري حاليا ويُرجى أن يبدأ فعليا في أكتوبر/تشرين الأول القادم بين الفرقاء السودانيين -تكاثر هو الآخر ليتطاول بنيان التحضير له فقط إلى سنة كاملة- يشارك في هذا الحوار 250 شخصية سياسية بينها أكثر من ثمانين حزبا سياسيا وأكثر من ثلاثين حركة تمرد مسلح!

هذا العدد المهول من الفاعلين السياسيين، إن كان لا يبرر أبدا لاستمرار الأزمات في السودان، إلا أنه يفسر التكاثر المعيب لاتفاقات السلام، تبعا لغرض كل فاعل سياسي يريد أن يجعل من غيره مفعولا به.

ولئن ظهرت معايب هذه الاتفاقات بتكاثرها غير المبرر، فهي تدلل أيضا على أن الشعب الذي ولد وفي فمه ملعقة من سلام، لن يرضى بغير السلام؛ فبعد كل هذه الاتفاقيات أصبح التلاعب السياسي مثيرا للسخرية وجالبا لملل قد يكون وخيم العواقب.

ما أخشاه أن تتحول مشكلة الحرب والسلام في السودان إلى "قضية سودانية" أسوة بالقضية الفلسطينية، مع أننا إذا أحصينا عدد الاتفاقيات الموقعة علنا مع دولة الاحتلال "إسرائيل" سنجد أن اتفاقات السلام السودانية تتفوق عليها عددا وإن لم تتميز عنها تأثيرا.

وأخشى أيضا من أن نصبح مسخرة العالم في الاتفاقيات، فليس ببعيد أن يرشح أحدهم السودان لموسوعة غينيس للأرقام القياسية، بعد أن أصبح قاب سلاميْن أو أدنى من أن يصير: بلد الألف اتفاقية سلام!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.