شعار قسم مدونات

موقف أردوغان سياسة.. وموقف السيسي حياكة!

blogs- السيسي واردوغان

وقف الشيخ خطيبا في الناس يدعوا البر والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر، وفي أثناء خطبته العصماء عرج على تذكير الرجال بولايتهم على النساء ومسؤوليتهم أمام الله عن تبرجهن وزينتهن وخروجهن سافرات -على حد تعبيره- فوقف أحد المصلين معترضا على حديثه وهو غاضب وقال له بصوت مرتفع أمام الجميع " أتقف في الناس خطيبا تنهاهم عن أمر وتأتي بمثله؟!".

إسرائيل لم تطلب المساعدة في إخماد الحرائق لا من أنقرة ولا من القاهرة بل هما من تطوعتا

استهجن عليه الناس فعلته هذه وحاولوا إسكاته بشتى الطرق، ولكنه أصر على مواصلة حديثه ومهاجمة الخطيب، فسأل الأخير الرجل بصوت هادئ ووجه مطمئن قائلا :" على رسلك يا رجل فماذا صنعت؟" فقال الرجل "تنهى عن تبرج النساء وتذكرنا بولايتنا عليهن، ونسيت بأنك وليا لابنتك المتبرجة فلما لم تنه نفسك أولا وتأمرها بتغطية رأسها كما تأمرنا بتغطية نساءنا؟".

ففتح المصلون أفواههم  مستنكرين ما سمعوا وهل ابنة الشيخ متبرجة؟! فما كان من الشيخ عندما وجد نفسه في موقف محرج لا يحسد عليه إلا أن قال " وهل ابنتي كبناتكم ؟ ابنتي جميلة ويليق لها التبرج"!

بمنطق هذا الشيخ وجمال ابنته وصحة تبرجها من عدمه، أود أن أورد سؤالا طرحه واقع الخلاف العميق الذي تفجر مؤخرا على خلفية التطوع التركي المصري لمساعدة إسرائيل في إخماد الحرائق التي نشبت في جبال الكرمل وحيفا. وهل تطوع تركيا لمساعدة إسرائيل يختلف كثيرا عن تطوع مصر لذات الشيء والعمل؟ وهل من المنطق أن نشكر أردوغان على سعيه واستنفاره لنجدة اسرائيل بينما نذم السيسي و"نلعنه" لذات السعي والاستنفار؟!

لا يمكن تجزئة المبادئ وفقا لمنطق الأخلاق، أما منطق السياسة فلا يوجد شيء غير قابل للتجزئة. حسنا، آمنا وصدقنا ولهذا سنضع الأخلاق جانبا ولن نتطرق الى القدس المحتلة ولا إسرائيل المغتصبة لأرضنا ومقدساتنا وشعبنا لقرابة السبعين عاما، ولا إلى مشاعرنا التي طارت فرحا متمنية لو أن النيران تأكل كل إسرائيلي على أرض فلسطين قبل أن تأكل الشجر والحجر.

ولنتحدث بمنطق السياسة إذن: أولا إسرائيل لم تطلب المساعدة في إخماد الحرائق لا من أنقرة ولا حتى من القاهرة بل جاء أمر المساعدة تطوعي محض من "أردوغان" و" السيسي" مع العلم أن إسرائيل كانت قادرة على إخماد الحرائق بمفردها دون أي تدخل تركي ولا مصري، فهيهات لو أن كلا منهما احتفظ بمبادرته الذاتية وكفوا المؤمنين شر هذا القتال والنقاش!

ثانيا: إسرائيل دولة حليفة لكل من مصر وتركيا وتربطها بكلا البلدين اتفاقات دولية واقتصادية وسياسية وما خفي كان أعظم. إذن فليس هناك من دافع لقبول فعل ورد الآخر، فإما أن نقبله من الطرفين أو نرده عليهما مجتمعين، إما أن يكون شخص الفاعل هو مقياس قبول الفعل فنقبله من فلان ونرده من علان، أو أن نصدق الحديث إذا ورد على لسان أحد بينما نكذبه اذا تحدث به آخر.

يجب فصل الأشخاص عن المواقف، وهذا لا يعني أن الطالح كالصالح أبدا ولكنه يعني أن الصالح ليس ببعيد عن الخطأ ولا شيء يمنع من أن يصيب الطالح

فهذا ليس بحديث عقل ولا منطق ولا دين إنما حديث قلب وهوى! ولكل هوى دينه كما قال سبحانه وتعالى " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه" صدق الله العظيم، وعين الهوى هنا هو قبول الفعل من أردوغان ومحاولة تبريره بكل الطرق والسبل حبا بشخصه، بينما نرفضه من السيسي ونهاجمه عليه لا لشيء إلا بغضا له! والعكس صحيح بالطبع، رغم أن الفعل واحد لم يتغير فنكون بهذا كالشيخ الذي حكم هواه في شرع الله فخالفه حبا بابنته التي فاق جمالها جمال قريناتها والعياذ بالله أن نكون مثله.

لا بد من الوقوف هنا عند أمر غاية بالأهمية، ألا وهو ضرورة فصل الأشخاص عن المواقف، وهذا لا يعني بالطبع بأن الطالح كالصالح أبدا، ولكنه يعني أن الصالح ليس ببعيد عن الخطأ، كما أن لا شيء يمنع من أن يصيب الطالح أحيانا. ولا بد من أن يظل الخطأ خطأ وإن قام به من نحب، ويظل الصواب صوابا وإن فعله من نكرهه.

وهذا ليس دفاعا عن السيسي أبدا ولا ذما لأردوغان ولكن وقوفا على بعض ما قيل هنا وهناك، كأن يدعي أنصار أردوغان أن موقفه مع إسرائيل ليس إلا حنكة سياسية بينما ما قام به السيسي خيانة عظمى! ولا أظن بأن هذا من العدل في شيء، وأن كنا نتفق بأن لأردوغان تاريخ مشرف ومبهر في قيادة بلاده ورفعتها وتقدمها، والتقاء قطاع عريض جدا على حبه واحترامه من داخل تركيا وخارجها، ووصوله الى مكانة رفيعة بين زعماء المنطقة والعالم، واستحالة مقارنته كزعيم منتخب لبلاده بالسيسي الذي وصل إلى سدة الحكم بالانقلاب.

بيد أن هذا كله لا يبرر أبدا قبول الخطأ منه إن كان خطأ ورفضه من السيسي طالما قد قاما بذات الفعل الواحد ألا وهو تحقيق المصلحة لإسرائيل، فإما أن نقبله من الإثنين أو أن نرفضه ومن الإثنين أيضا، وإلا فلا يحق لنا أن نهاجم من يقف خلف السيسي ويؤيد كل أفعاله فهو أيضا له محبينه ومريدينه، فنكون بهذا كمن يكيل بمكيالين أو كمن ينهى عن أمر ويأتي بمثله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.