شعار قسم مدونات

مصر علي طريق الخطر الأرجنتيني لعام2002!

blogs- مصر

ديون خارجيـة بقيـمة 132 مليـار دولار، سندات بنـكية بـفائدة 12 في المائة دون رصـيد كافي يغـطي العـجز في البنوك، صراع سياسـي قوي في الـحكـم بين الأحزاب والنـخبة العسـكرية الحـاكـمة.. والنتيجة الأرجنتـين تواجه الإفلاس التام وتُعلن دولتها مـحظورة اقتصاديًا.. فهل تـكون مصـر على موعد مع قصة مشابهة خلال السنوات القادمة؟
 

تبدأ القصة في الأرجنتيـن أعقاب الـحكـم العسكري في الثـمـانينات والذي وضع الدولة في نكبة اقتصادية حقيـقية تمثـلت بالاستدانة الـخارجيـة و بفوائد عالية لمواجـهة أزمة البطالة وانـخفاض مؤشـر التنـمية بهبوط سـعر البيزو الأرجنتيـني إلى أدني مستوياته وزيادة معدلات التـضخـم، وبعد خروج الـجيش من اللعبة السياسية بعمـلية الـتـحول الديمُقراطي عام 1983م بدأت خـطة طـموحة لمواجهة الأزمة الاقتصادية لكن كبلت "الديون" يد الـحكومات المتعاقبة بقيادة راول ألفونسين وكارلوس منعـم فكانت خـطة الإصلاحات ضعيـفة بالمقارنة مع التغييـرات السياسية التي واجـهت الأرجنتين في ذلك الوقت ومثـلت ضغطًا شديدًا على النـمو الاقتصادي..
 

قدرت القروض التي حصلت عليها الـحكومة المصـرية خلال السنوات الثلاث المـاضية أكثر من 30 مليـار دولار أُنفقت في مشاريع تنـموية غيـر مربـحة إلى الآن، مثل تفريعة قناة السويس..

وبـحلول عام 1999م انفـجرت الأوضاع فبلغ متوسط الدين العام إلى أكثـر من 132 مليـار دولار في ظل تثبيـت سـعر العملة المـحلي أمام الدولار دون تعويـم، كذلك خصخصـة الشـركات الضـخمة لصالـح المستثـمرين الأجانب وارتفاع الإنفاق الـحكومي إلى مستويات خـطيرة، هنا قررت الـحكومة إصدار سندات سيادية بنـكية بقيـمة عشـرة مليارات دولار بفائدة من 10 – 12 في المائة. لكن الكارثة تبدأ عندما أدركت الـحكومة عام 2001م أنها لن تستطيع سداد الفوائد المستـحقة لـحاملي السـندات وباتت تلك الوثائق الرسـمية في أيدي الدائنين تهدد الدولة بالوقوع في مشـاكل سياسية، فقد تُستغل لرفع قضايا ضدها في الـمحافل الدولية.
 

لكن الأمر تـحول لدرجة خـطيرة؛ فقالت أنها لن تسدد الديون وأنها خفضت السندات البنكيـة إلى 6 في المائة فقط مما أخل بالشـروط المتفق عليها مُسبقًا.. هنا تدخل صندوق تحوط دولي يتبع Elliott Management Corporation بشـراء السندات من الدائنيـن والمعروف عن هذه الصناديق الدولية أنها تدفع للدائن نصيـبه المتفق عليه مع الـحكومة المدينة، في مقابل تنازله عن سنداته للشـركة ويدخل الصندوق بعد ذلك في مفاوضات مع الـحكومة منفردة لتغطية الدين وإلا رُفع الأمر للمـحاكم الدولية..
 

سددت الشـركة الدين العام عن الأرجنـتين وبدأت بتهديدها بعد ذلك بالسندات لذلك طلبت الحـكومة إعادة جـدولة الديون مرة أخري والسـمـاح بإصدار سنـدات أخرى لكن بفائدة أقل وشطب بعض المديونيات العامة في مقابل امتيازات أخرى، لكن رفض الصندوق الأمر تمامًا ورفع قضيـة في مـحكمة نيـويورك العامة فألزمت المـحكـمة الأرجنتيـن بسداد الديون مع الفوائد المركبة، أيضًا كذلك رُفعت قضية إضافية في لندن وأقرت المـحكـمة نفس الـحكـم.. وحددت يوم 30 يونيو لعام 2002 موعدًا نهائيًا لسداد الديون وإلا تُعلن الأرجنتـين الإفلاس التام..

أسرعت الأرجنتيـن باللجوء إلي الصديق الروسي والصيني لإضافة تشريعات في الجـمعية العامة للأمم المتـحدة بـمنع إصدار حـكم من مـحكمة دولة بإفلاس دولة أخرى، ونـجحت في ذلك بالفعل، فقوضت انتصارات صناديق التـحوط الدائنة لكن مُسبقًا كان الصندوق قد رفع الأمر إلى نادي الدائنين في باريس بأحقية مطالبة الـحكومة بالديون المطلوبة والتي قُدرت ب200 مليار دولار.
 

في وسط تلك الأحداث الغريبة كان الصندوق قد استأجر شركة أمنيـة مرتزقة استولت علي سفيـنة حربية للأرجنتيـن في عرض المـحيط الأطلنطي وبرر الأمر بأنه جزء بسيط من ديونها المتراكـمة، الآمر الذي أقلق الرئيس الأرجنتيـني أدواردو دوهلديه الذي طالب بتـخفيف الاحتقان الدائر وبدأ إجراءات تقشفية حادة وإصلاحات هيـكلية ضـخمة وموسعة، فـمنع تـحويل الأموال لـخارج البلاد لأي سبب وفرض ضرائب متنوعة على المواطنين بمسميات مـختلفة وبدأت إعادة جدولة الديون داخليًا.
 

وبــحلول اليوم الموعود 30 يونيو كانت الـحكومة الأرجنتيـنية قد أودعت فقط 500 مليون دولار لحسـاب الصندوق و الذي أعتبره مؤشرًا إيـجابيًا رغـم قلة المبلغ المدفوع، وقرر التعاون مع الـحكومة إلي أن بدأت إجراءات سياسية واقتصادية موسعة في الفترة إلي عام 2005 لتتـمكن الأرجنتيـن من سداد أكثر من نصف ديونها إلى الآن، وإلى يومنا هذا في 2016 مازالت لديها ديون متنوعة ومُركبة بفوائد أكبر..
 

هل نـحتاج إلى تـحميل أجيالنا القادمة وأنفسنا ديون ربما تؤدي إلى إفلاس دولتنا على المدى القريب من أجل تدعيـم الروح المعنوية فقط؟!

بالنظر إلى وضع الدولة المصـرية الـحالية وفي ظل التدهور السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه وتـحديدًا منذ 2013 م ومع الديون المتراكـمة سواء الداخلية أو الـخارجية، وآخرها قرض الأربعة مليارات، أعتقد أننا في نفس مصيـر الأرجنتين لا مـحالة.. الأمور متشابهة إلى حدٍ خطيـر.. تعويـم للـجنيه المصـري قدره 100 بالمائة أمام الدولار.. ارتفاع حاد في مؤشـر البطالة وتدهور عـجلة الإنتـاج، انـخفاض التنافسيـة العالية للشـركات الخاصة وسقوط عـجلة الإنتاج الـحكومي..

لكن المشكـلة الأكبر التي تواجـهنا حاليًا هي الفكرة السياسية في عـملية الاستدانة الخارجية، فقد قدرت القروض التي حصلت عليها الـحكومة المصـرية خلال السنوات الثلاث المـاضية أكثر من 30 مليـار دولار أُنفقت في مشاريع تنـموية غيـر مربـحة إلى الآن، مثل تفريعة قناة السويس وأنفاق بورسعيد الحالية.. وترى الـحكومة أن دعـم تلك المشاريع حسب تصريـحاتها في الـجرائد الرسـمية سيرفع الروح المـعنوية للمصريين.. ولا أعلـم هل نـحتاج إلى تـحميل أجيالنا القادمة وأنفسنا ديون ربما تؤدي إلى إفلاس دولتنا على المدى القريب من أجل تدعيـم الروح المعنوية فقط؟! وهل الأمم العظيـمة تُبني بالقروض والمساعدات والهبات والصناديق والتبرعات؟!
 

نـحن نسير إلى الهاوية بسرعة الصاروخ، لكن كل ذلك لم يفت في عضد البنوك المصـرية والتي تستـمر في خطة إصلاح كارثية، آخرها رفع فوائد سنداتها السيادية إلى 15 في المائة أي أكثر مما فرضته الأرجنتين علي نفسها في حقبة الإفلاس.. وتظن أن الـخير القادم سيأتي عن طريق تشجيع المستثـمر بشراء سنداتها الدولية تلك، وهو ما يعزز بالتأكيد ثقة العالم بالاقتصاد المصـري وتناست أن الانـخفاض الحاد في مؤشرات التنـمية قد يؤدي يومًا إلى أن نبيع أملاكنا لصالح مُستثـمر يـحمل ورقة فارغة!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان